· تلخيص كتاب منهج السلف فى الرد
على اهل البدع
إن الحمد لله نحمده ونستعينه
ونستغفره,ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات إعمالنا,من يهدى الله فلا مضل له,ومن
يضلل فلا هادى له ,ونشهد إن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد إن محمد عبده ورسوله
صلى الله عليه وسلم.
(يا أيها الذين امنوا اتقوا الله
حق تقاته ولا تموتن إلا وانتم مسلمون).
(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي
خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي
تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا).
(يا أيها الذين امنوا اتقوا الله
وقولوا قولا سديدا,يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز
فوزا عظيما)
.أما بعد
اولا اقوال الائمة فى الامر بالاتباع وعدم التقليد وعدم
الابتداع
( ١ ) الإمام أبو حنيفة - رحمه
الله ﷻ - :
فأولهم الإمام أبوحنيفة النعمان
بن ثابت - رحمه الله - ، وقد روى عنه أصحابه أقوالاً شتى وعبارات متنوعة ، كلها تؤدي
إلى شيء واحد وهو : وجوب الأخذ بالحديث ، وترك تقليد آراء الأئمة المخالفة لها :
• " إذا صح الحديث فهو مذهبي
".
( ابن عابدين في الحاشية
٦٣/١ )
• " لا يحل لأحد أن يأخذ
بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه ".
( ابن القيم في " إعلام
الموقعين " ٣٠٩/٢ ).
وفي رواية : " حرام على
مَن لم يعرف دليلي أن يُفتي بكلامي ".
زاد في رواية: " فإننا بَشَر
، نقول القول اليوم ونرجع عنه غداً ".
وفي أخرى: " ويحك يا يعقوب
! (هو أبو يوسف) لا تكتب كل ما تسمع مني ، فإني قد أرى الرأي اليوم وأتركه غداً ، وأرى
الرأي غداً وأتركه بعد غد ".
• " إذا قلت قولاً يخالف
كتاب الله تعالى وخبر الرسول ﷺ فاتركوا قولي ".
( صالح الفلاني في " إيقاظ
الهمم " ص ٥٠ )
( ٢ ) الإمام مالك بن أنس - رحمه
الله ﷻ - :
وأما الإمام مالك بن أنس - رحمه
الله ﷻ -فقال :
• " إنما أنا بشر أخطئ وأصيب
، فانظروا في رأيي ، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه ، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة
فاتركوه ".
( ابن عبد البر في " الجامع
" ٣٢/٢ )
• " ليس أحد بعد النبي ﷺ إلا ويؤخذ من قوله ويترك إلا النبي ﷺ ".
( ابن عبد البر في " الجامع
" ٩١/٢ )
• قال ابن وهب :
" سمعت مالكاً سئل عن تخليل
أصابع الرجلين في الوضوء ؟ فقال : ليس ذلك على الناس . قال : فتركته حتى خفَّ الناس ، فقلت له : عندنا
في ذلك سنة ، فقال : وما هي ؟ قلت : حدثنا الليث بن سعد وابن لهيعة وعمرو بن الحارث
عن يزيد بن عمرو المعافري عن أبي عبد الرحمن الحنبلي عن المستورد بن شداد القرشي قال
: رأيت رسول الله ﷺ يدلُك بخنصره ما بين أصابع رجليه
. فقال : إن هذا الحديث حسن ، وما سمعت به قط إلا الساعة . ثم سمعته بعد ذلك يُسأل
فيأمر بتخليل الأصابع .
( مقدمة " الجرح والتعديل
" لابن أبي حاتم ص ٣١ - ٣٢ )
( ٣ ) الإمام الشافعي - رحمه
الله ﷻ - :
وأما الإمام الشافعي رحمه الله
، فالنقول عنه في ذلك أكثر وأطيب ، وأتباعه أكثر عملاً بها وأسعد، فمنها :
• " ما من أحد إلا وتذهب
عليه سنة لرسول الله ﷺ وتعزب عنه ، فمهما قلتُ من قول
، أو أصَّلتُ من أصل فيه عن رسول الله ﷺ لخلاف ما قلت ، فالقول ما قال
رسولُ الله ﷺ ، وهو قولي ".
( تاريخ دمشق لابن عساكر
٣/١/١٥ )
• " أجمع المسلمون على أن
من استبان له سنة عن رسول الله ﷺ ، لم يحل له أن يدعها لقول أحد
".
( ابن القيم ٣٦١/٢ )
• " إذا وجدتم في كتابي
خلاف سنة رسول الله ﷺ ، فقولوا بسنة رسول الله ﷺ ، ودعوا ما قلت ".
وفي رواية : " فاتبعوها
، ولا تلتفتوا إلى قول أحد ".
( النووي في " المجموع
" ٦٣/١ )
• " إذا صح الحديث فهو مذهبي
".
( النووي في " المجموع
" ٦٣/١ )
• " أنتم أعلم بالحديث والرجال
مني ، فإذا كان الحديث الصحيح ، فأعلموني به أي شيء يكون : كوفيًّا أو بصريًّا أو شاميًّا
، حتى أذهب إليه إذا كان صحيحاً ".
( الخطيب في " الاحتجاج
بالشافعي " ١/٨ )
• " كل مسألة صح فيها الخبر
عن رسول الله ﷺ عند أهل النقل بخلاف ما قلت
، فأنا راجع عنها في حياتي وبعد موتي ".
( أبو نعيم في " الحلية
" ١٠٧/٩ )
• " إذا رأيتموني أقول قولا
، وقد صحَّ عن النبي ﷺ خلافه ، فاعلموا أن عقلي قد
ذهب ".
( ابن أبي حاتم في " آداب
الشافعي " ص ٩٣)
• " كل ما قلت ، فكان عن
النبي ﷺ خلاف قولي مما يصح ، فحديث النبي أولى ، فلا تقلدوني
".
( ابن أبي حاتم ص ٩٣ )
• " كل حديث عن النبي ﷺ فهو قولي ، وإن لم تسمعوه مني
".
( ابن أبي حاتم ٩٣ - ٩٤ )
( ٤ ) الإمام أحمد بن حنبل -
رحمه الله ﷻ - :
وأما الإمام أحمد ، فهو أكثر
الأئمة جمعاً للسنة وتمسكا بها ، حتى " كان يكره وضع الكتب التي تشتمل على التفريع
والرأي " ، ولذلك قال :
• " لا تقلدني ، ولا تقلد
مالكاً ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري ، وخذ من حيث أخذوا ".
( ابن القيم في " الإعلام
" ٣٠٢/٢ )
وفي رواية : " لا تقلد دينك
أحداً من هؤلاء ، ما جاء عن النبي ﷺ وأصحابه فَخُذ به ، ثم التابعين
بَعْدُ الرجلُ فيه مخير ".
وقال مرة : " الإتباع أن
يتبع الرجل ما جاء عن النبي ﷺ وعن أصحابه ، ثم هو من بعد التابعين
مخير ".
( أبو داود في " مسائل الإمام
أحمد " ص ٢٧٦ و ٢٧٧ )
• " رأي الأوزاعي ، ورأي
مالك ، ورأي أبي حنيفة ، كله رأي ، وهو عندي سواء ، وإنما الحجة في الآثار ".
( ابن عبد البر في " الجامع
" ١٤٩/٢ )
• " من رد حديث رسول الله
ﷺ ، فهو على شفا هَلَكة
".
( ابن الجوزي ص ١٨٢ )
عن أبي عبيد القاسم بن سلام قال:
المتبع للسنة كالقابض على الجمر، وهو اليوم عندي أفضل من ضرب السيف في سبيل الله عز
وجل.تاريخ بغداد(12/ 410)
كان عبد الله بن عمر يتحفظ ما
يسمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -, وإذا لم يحضر يسأل من يحضر عما قال رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - وفعل، وكان يتتبع آثار رسول الله - صلى الله عليه وسلم
- في كل مسجد صلى فيه، وكان يعترض براحلته في كل طريق مر بها رسول الله - صلى الله
عليه وسلم -، فيقال له في ذلك فيقول: أتحرى أن تقع أخفاف راحلتي على أخفاف راحلة رسول
الله - صلى الله عليه وسلم.تاريخ بغداد(1/ 172)
عن الجنيد قال: علمنا مضبوط بالكتاب
والسنة، من لم يحفظ الكتاب ويكتب الحديث ولم يتفقه لا يقتدى به.تاريخ بغداد(7/
243)
عن أبي سليمان الداراني قال:
ليس لمن ألهم شيئاً من الخير أن يعمل به حتى يسمعه من الأثر, فإذا سمعه من الأثر عمل
به, وحمد الله حيث وافق ما في قلبه.تاريخ بغداد(10/ 249)
عن أبي الفضل الزجاج قال: لما
قدم الشافعي إلى بغداد وكان في الجامع إما نيف وأربعون حلقة أو خمسون حلقة، فلما دخل
بغداد مازال يقعد في حلقة حلقة ويقول لهم: قال الله وقال الرسول, وهم يقولون: قال أصحابنا,
حتى ما بقي في المسجد حلقة غيره.تاريخ بغداد(2/ 68)
عن أبي طاهر عبد الواحد بن عمر
بن محمد بن أبي هاشم قال: وقد نبغ نابغ في عصرنا هذا فزعم أن كل ما صح عنده وجه في
العربية لحرف من القرآن يوافق خط المصحف فقراءته جائزة في الصلاة وغيرها، فابتدع بقيله
ذلك بدعة ضل بها عن قصد السبيل, وأورط نفسه في مزلة عظمت بها جنايته على الإسلام وأهله،
وحاول إلحاق كتاب الله من الباطل مالا يأتيه من بين يديه ولا من خلفه، إذ جعل لأهل
الإلحاد في دين الله بسيئ رأيه طريقاً إلى مغالطة أهل الحق بتخير القراآت من جهة البحث
والاستخراج بالآراء دون الاعتصام والتمسك بالأثر المفترض.تاريخ بغداد(2/ 207)
عن الحسين بن أبي زيد قال: رأيت
النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يحييني على
الإسلام، فقال لي: والسنة وجمع إبهامه وسبابته وحلق حلقة وقال ثلاث مرات: والسنة والسنة
والسنة.تاريخ بغداد(8/ 110)
قال يحيى بن أكثم: بلغني عن عبد
الله أنه سئل عن الاتّباع فقال: الاتباع ما كان عليه الحسين بن واقد وأبو حمزة السكري.تاريخ
بغداد(3/ 268)
الاتباع في صلاة النبي - صلى
الله عليه وسلم
عن جابر بن سمرة قال: شكا أهل
الكوفة سعد بن مالك إلى عمر, فقالوا: لا يحسن أن يصلى، فقال سعد: أما أنا فكنت أصلى
بهم صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: صلاتي العشى أركد في الأولتين وأحذف في
الآخرتين، فقال عمر: ذاك الظن بك يا أبا إسحاق, وبعث رجالاً يسألون عنه في مساجد الكوفة،
فلا يأتون مسجداً من مساجد الكوفة إلا أثنوا عليه خيراً, وقالوا: معروفاً، حتى أتوا
مسجداً من مساجد بنى عبس، فقال رجل - يقال له أبو سعدة -: اللهم فإنه كان لا يعدل في
القضية, ولا يقسم بالسوية، فقال: اللهم إن كان كاذباً فاعم بصره، واطل فقره، وعرضه
للفتن.
قال عبد الملك: فأنا رأيته يتعرض
للإماء في السكك, فإذا قيل له: أبا سعدة؟ يقول: مفتون أصابتني دعوة سعد.تاريخ بغداد(1/
145)
عن عدي بن ثابت الأنصاري قال:
حدثني رجل أنه كان مع عمار بن ياسر بالمدائن، فأقيمت الصلاة فتقدم عمار وقام على دكان
يصلى والناس أسفل، فتقدم حذيفة فأخذ على يديه فاتبعه عمار حتى أنزله حذيفة, فلما فرغ
عمار من صلاته، قال له حذيفة: ألم تسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إذا
أمَّ الرجل القوم فلا يقم في مقام أرفع من مقامهم، أو نحو ذلك» قال عمار: لذلك اتبعتك
حين أخذت على يدي.تاريخ بغداد(1/ 151)
عن أبي سعيد الخدري أن حذيفة
بن اليمان أتاهم بالمدائن فقام يصلى على دكان فجذبه سلمان، ثم قال: لا أدرى أطال العهد
أم نسيت؟!
أما سمعت رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - يقول: «لا يصلى الإمام على أنشز مما عليه أصحابه».تاريخ بغداد(1/ 180)
عن عبد الرزاق أن أهل مكة يقولون:
أخذ ابن جريج الصلاة عن عطاء, وأخذها عطاء عن ابن الزبير, وأخذها ابن الزبير عن أبي
بكر, وأخذها أبو بكر عن النبي - صلى الله عليه وسلم. قال عبد الرزاق: وكان ابن جريج
حسن الصلاة.تاريخ بغداد(10/ 404)
عن ابن عباس قال: قال لي عمر:
ما حبسك عن الصلاة؟ قلت: لما أن سمعت الأذان توضأت ثم أقبلت, قال عمر: الوضوء أيضا
ً! ما بهذا أمرنا. قال فما تركت الغسل يوم الجمعة بعد.تاريخ بغداد(1/ 249)
عن كعب قال: لأغتسلن يوم الجمعة
ولو كأساً بدينار.تاريخ بغداد(1/ 262)
الاتباع في الاستخلاف:
عن سالم بن عبد الله عن أبيه
أنه كلم أباه في الاستخلاف، فقال: إن الله حافظ دينه وأي ذلك أفعل، فقد بيّن لي أن
لا أستخلف فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يستخلف وإن استخلف فقد استخلف أبو بكر
رضى الله عنه.تاريخ بغداد(1/ 258)
صور من اتباع السلف لهدي النبي
- صلى الله عليه وسلم
بلغ ابن أبى ذئب أن مالكاً لم
يأخذ بحديث البيّعين بالخيار، قال: يستتاب و إلا ضربت عنقه، ومالك لم يردّ الحديث،
ولكن تأوله على غير ذلك، فقال شامي: من أعلم مالك، أو ابن أبي ذئب؟ فقال: ابن أبي ذئب
في هذا أكبر من مالك، وابن أبي ذئب أصلح في دينه, و أورع ورعاً, وأقوم بالحق من مالك
عند السلاطين، وقد دخل ابن أبي ذئب على أبى جعفر فلم يهبه أن قال له الحق، قال: الظلم
فاش ببابك، وأبو جعفر أبو جعفر!!تاريخ بغداد(2/ 302)
جاء معاذ وعند أبى موسى رجل،
فقال: هذا كان كافراً فأسلم ثم ارتد، فقال معاذ: لا أنزل ولا أجلس حتى يقتل، قال: فقتل.تاريخ
بغداد(2/ 375)
عن علي أنه قال لعمر: يا أمير
المؤمنين إن سرَّك أن تلحق بصاحبيك فاقصر الأمل، وكل دون الشبع، وانكس الإزار، وأرقع
القميص، واخصف النعل تلحق بهما.تاريخ بغداد(5/ 216)
عن زيد بن حباب قال: رأيت سفيان
الثوري يقص أظفاره يوم الخميس، فقلت يا أبا عبد الله: غداً الجمعة، فقال: السنة لا
تؤخر.تاريخ بغداد(6/ 389)
عن أبي عطاء أيوب بن طهمان الثقفي:
أنه رأى علي بن أبي طالب حين دخل الإيوان بالمدائن أمر بالتماثيل التي في القبلة فقطع
رؤوسها ثم صلى.تاريخ بغداد(7/ 3)
قال الجنيد بن محمد: عِلمنا هذا
- يعني علم التصوف - مشبك بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.تاريخ بغداد(7/
243)
عن أبي إسحاق المروزي أنه سئل
يوماً أبا سعيد عن المتوفي عنها زوجها إذا كانت حاملاً هل يجب لها النفقة؟ فقال: نعم.
فقيل له: ليس هذا مذهب الشافعي فلم يصدق, فأروه كتابه فلم يرجع وقال: إن لم يكن مذهبه
فهو مذهب علي وابن عباس.تاريخ بغداد(7/ 269)
عن عبد الله بن عدي الحافظ قال:
سمعت محمد بن عبد الله الشافعي - وهو الفقيه الصيرفي صاحب الأصول - يخاطب المتعلمين
لمذهب الشافعي ويقول لهم: اعتبروا بهذين حسين الكرابيسي وأبو ثور, والحسين في علمه
وحفظه, وأبو ثور لا يعشره في علمه, فتكلم فيه أحمد بن حنبل في باب اللفظ فسقط, وأثنى
على أبي ثور فارتفع للزومه السنة.تاريخ بغداد(8/ 66 - 67)
فصل
في تعظيم السُّنة
قال الله جل وعلا: ]وَمَا كَانَ
لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ
لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ[ [الأحزاب : 36].
]مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ
أَطَاعَ اللَّهَ[ [النساء : 80].
]لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ
اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ
اللَّهَ كَثِيرًا[ [الأحزاب : 21].
]وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا
وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ[ [النور : 54].
]فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ
عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[ [النور
: 63].
]أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ
يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ
الْخِزْيُ الْعَظِيمُ[ [التوبة : 63].
]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا
لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ
كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ[
[الحجرات : 2].
قال ابن القيم تعليقًا على هذه
الآية: فحذَّر المؤمنين من حبوط أعمالهم بالجهر لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما يجهر بعضهم لبعض.
وليس هذا برِدَّة، بل معصية تحبط
العمل، وصاحبها لا يشعر بها([7]) فما الظن بمن قدَّم على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهديه وطريقه قول غيره وهديه وطريقه؟!
أليس هذا قد حبط عمله وهو لا
يشعر؟ اهـ([8]).
وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه
قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون
فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودِّع، فأوصنا.
قال: «أوصيكم بتقوى الله عز وجل،
والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم
بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات
الأمور، فإن كل بدعة ضلالة»([9]).
قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : «لست تاركًا شيئًا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به، إلا عملت به، وإني لأخشى إن تركت شيئًا
من أمره أن أزيغ».
علَّق ابن بطة على هذا بقوله:
هذا يا أخواني الصدِّيق الأكبر يتخوَّف على نفسه من الزيغ إن هو خالف شيئًا من أمر
نبيه صلى الله عليه وسلم ، فماذا عسى أن يكون
من زمان أضحى أهله يستهزئون بنبيهم وبأوامره، ويتباهون بمخالفته ويسخرون بسنته؟!..
نسأل الله عصمة من الزلل، ونجاة من سوء العمل([10]).
قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه : «لا رأي لأحد مع سُنة سنَّها رسول
الله صلى الله عليه وسلم »([11]).
وعن أبي قلابة قال: إذا حدَّثت
الرجل بالسُّنة فقال «دعنا من هذا وهات كتاب الله» فاعلم أنه ضال([12]).
علَّق الذهبي على هذا بقوله:
وإذا رأيت المتكلِّم المبتدع
يقول «دعنا من الكتاب والأحاديث الآحاد وهات العقل» فاعلم أنه أبو جهل، وإذا رأيت السالك
التوحيدي يقول «دعنا من النقل ومن العقل وهات الذوق والوجد» فاعلم أنه إبليس قد ظهر
بصورة بشر أو قد حلَّ فيه، فإن جبنت منه فاهرب، وإلاَّ فاصرعه، وابرك على صدره، واقرأ
عليه آية الكرسي واخنقه([13]).
قال الشافعي:
أخبرني أبو حنيفة بن سمَّاك بن
الفضل الشهابي قال: حدَّثني ابن أبي ذئب عن المقري عن أبي شريح الكعبي أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال عام الفتح: «من قُتل له قتيل فهو بخير النظرين؛
إن أحبَّ أخذ العقل، وإن أحب فله قود».
قال أبو حنيفة:
فقلت لابن أبي ذئب: أتأخذ بهذا
يا أبا الحارث؟ فضرب صدري، وصاح علي صياحًا كثيرًا ونال مني وقال: أحدِّثك عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم وتقول: تأخذ به؟!.. نعم، آخذ به، وذلك الفرض عليّ
وعلى من سمعه، إنَّ الله اختار محمدًا من الناس فهداهم به وعلى يديه، واختار لهم ما
اختار له وعلى لسانه، فعلى الخلق أن يتَّبعوه طائعين أو داخرين، لا مخرج لمسلم من ذلك.
قال: وما سكتَ حتى تمنيتُ أن
يسكت ([14]).
قال الشافعي:
أجمع المسلمون على أنَّ من استبان
له سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحلّ له أن يدعها لقول أحد([15]).
قال الحميدي:
رَوى الشافعي يومًا حديثًا فقلت:
أتأخذ به؟
فقال: رأيتني خرجت من كنيسة أو
علي زنار حتى إذا سمعت عن رسول الله حديثًا لا أقول به؟!([16])
وسُئل الشافعي عن مسألة فقال:
رُويَ فيها كذا وكذا عن النبي صلى الله عليه
وسلم ، فقال السائل: يا أبا عبد الله، تقول به؟
فارتعد الشافعي وانتفض وقال:
يا هذا، أيُّ أرضٍ تقلُّني، وأيُّ سماءٍ تظلُّني إذا رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا فلم أقل به؟ نعم، عليّ السمع والبصر([17]).
قال أحمد بن حنبل: من رد حديث
النبي صلى الله عليه وسلم فهو على شفا هلكة([18]).
قال البربهاري: وإذا سمعت الرجل
يطعن في الآثار أو يريد الآثار، فاتهمه على الإسلام، ولا تشك أنه صاحب هوى مبتدع([19]).
وقال أبو القاسم الأصبهاني:
قال أهل السُّنة من السلف: إذا
طعن الرجل على الآثار، ينبغي أن يُتهم على الإسلام([20]).
قال محمد بن يحيى الذهلي:
سمعت يحيى بن يحيى – يعني أبا
زكريا التميمي النيسابوري – يقول: الذّبُّ عن السُّنة أفضل من الجهاد في سبيل الله.
قال محمد: قلت ليحيى: الرجل يُنفق
ماله، ويتعب نفسه ويجاهد، فهذا أفضل منه؟! قال: نعم، بكثير([21]).
قال أبو عبيد القاسم بن سلام:
المتَّبِع لِلسُّنة كالقابض على الجمر، وهو اليوم عندي أفضل من الضرب بالسيوف في سبيل
الله([22]).
قال الحميدي: والله لأن أغزو
هؤلاء الذين يردُّون حديث رسول الله صلى الله
عليه وسلم أحبّ إليّ من أغزو عدَّتهم من الأتراك([23]).
قال مالك بن أنس: السُّنة سفينة
نوح، من ركبها نجا، ومن تخلَّف عنها غرق([24]).
& & &
فصل
في تعجيل عقوبة من لم يُعظِّم
السُّنة
عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه
أنَّ رجلاً أكل عند رسول الله صلى الله
عليه وسلم بشماله، فقال: «كل بيمينك»، قال:
لا أستطيع. قال: «لا استطعت؟ ما منعه إلاَّ الكبر» قال: ما رفعها إلى فيه([25]).
عن أبي هريرة رضي الله عنه
أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يُشرب من فِيّ السقاء([26]).
قال أيوب: فأُنبِئت أنَّ رجلاً
شرب من فِيّ السقاء فخرجت حيَّة([27]).
عن أبي هريرة رضي الله عنه
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بينما رجل يتبختر في بردين خسف الله به الأرض،
فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة».
فقال له فتى: يا أبا هريرة، أهكذا
كان يمشي ذلك الفتى الذي خُسف به؟ ثم ضرب بيده فعثر عثرة كاد يتكسَّر منها.
عن عبد الرحمن بن حرملة قال:
جاء رجل إلى سعيد بن المسيب يودِّعه
بحجٍّ أو عمرة، فقال له: لا تبرح حتى تصلِّي؛ فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يخرج بعد النداء من المسجد إلا منافق،
إلا رجل أخرجته حاجة وهو يُريد الرجعة إلى المسجد».
فقال: إنَّ أصحابي بالحرَّة.
فخرج، فلم يزل سعيد يذكره، حتى أُخبِر أنه وقع من راحلته فانكسرت فخذه([28]).
قال أبو عبد الله محمد بن إسماعيل
التيمي في شرحه لصحيح مسلم:
قرأت في بعض الحكايات أنَّ بعض
المبتدعة حين سمع قول النبي صلى الله عليه
وسلم : «إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها، فإنه لا يدري
أين باتت يده»([29]).
قال ذلك المبتدع على سبيل التهكم:
أنا أدري أين باتت يدي، باتت في الفراش!
فأصبح وقد أدخل يده في دُبره
إلى ذراعه..!
قال التيمي:
فليتَّق المرء الاستخفاف بالسُنن
ومواضع التوقيف، فانظر كيف وصل إليه شؤم فعله([30]).
وعن أبي يحيى الساجي قال:
كنا نمشي في أزقَّة البصرة إلى
باب بعض المحدثين، فأسرعنا المشي ومعنا رجلٌ ماجنٌ مُتَّهمٌ في دينه، فقال مستهزِئًا:
ارفعوا أرجلكم عن أجنحة الملائكة لا تكسروها.
فلم يزل من موضعه حتى جفَّت رجلاه
وسقط([31]).
قال النووي:
قال الحافظ عبد الحافظ: إسناد
هذه الحكاية كالوجد أو كرأي العين، لأنَّ رواتها أعلام أئمَّة.
وقال القاضي أبو الطيب:
كنا في مجلسٍ بجامع المنصور،
فجاء شاب خراساني، فسأل عن مسألة المصراة، فطالب بالدليل، حتى استدلَّ بحديث أبي هريرة
الوارد فيها، فقال (وكان حنفيًا): أبو هريرة غير مقبول الحديث.
فما استتمَّ كلامه حتى سقطت عليه
حيَّة عظيمة من سقف الجامع، فوثب الناس من أجلها، وهرب الشاب منها، وهي تتبعه، فقيل
له: تب، تب.
فقال: تبت، فغابت الحية، فلم
يُرَ لها أثر..!
قال الذهبي: إسنادها أئمة
([32]).
وقال قطب الدين اليونيني:
بلغنا أنَّ رجلاً يُدعى «أبا
سلامة» من ناحية بصري كان فيه مجون واستهتار، فذُكِر عنده السواك وما فيه من الفضيلة
فقال: والله لا أستاك إلاَّ في المخرج – يعني دبره - فأخذ سواكًا فوضعه في مخرجه ثم
أخرجه .. فمكث بعده تسعة أشهر وهو يشكو من ألم في البطن والمخرج..!
فوضع ولدًا على صفة الجرذان له
أربعة قوائم ورأسه كرأس السمكة، وله دُبر كدُبر الأرنب، ولَمَّا وضعه صاح ذلك الحيوان
ثلاث صيحات، فقامت ابنة ذلك الرجل فرضخت رأسه فمات، وعاش ذلك الرجل بعد وضعه له يومين،
ومات في الثالث، وكان يقول: هذا الحيوان قتلني، وقطَّع أمعائي.
وقد شاهد ذلك جماعة من أهل تلك
الناحية وخطباء ذلك المكان، ومنهم من رأى ذلك الحيوان حيًّا، ومنهم من رآه بعد موته([33]).
& & &
فصل
في موقف سلف الأمة مِمَّن عارض
السُّـنة
عن أبي قتادة قال:
كنا عند عمران بن حصين في رهطٍ
منا، وفينا بشير بن كعب، فحدثنا عمران يومئذ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الحياء خيرٌ كلُّه» أو قال:
«الحياء كلُّه خير»، فقال بشير بن كعب: إنا لنجد في بعض الكتب أو الحكمة: أنَّ منه
سكينة ووقارًا لله، وفيه ضعف.
فغضب عمران حتى احمرت عيناه وقال:
ألا أراني أحدِّثك عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، وتُعارض فيه([34])؟
وعن أبي المخارق قال:
ذكر عبادة بن الصامت أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن درهمين بدرهم، فقال فلان: ما أرى بهذا بأسًا،
يدًا بيد.
فقال عبادة: أقول قال النبي صلى الله عليه وسلم ، وتقول: لا أرى به بأسًا؟..
والله لا يظلُّني وإياك سقف أبدًا([35]).
وعن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه : نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الخذف وقال: «إنها لا تصطاد صيدًا، ولا تنكأ
عدوًا، ولكنها تفقًأ العين، وتكسر السن» .. فقال رجل لعبد الله بن مغفل: وما بأس هذا؟
فقال: إني أحدِّثك عن رسول الله، وتقول هذا؟ والله لا أكلمك أبدًا([36]).
قال النووي:
فيه هجران أهل البدع والفسوق
ومنابذي السُّنة مع العلم، وأنه يجوز هجرانه دائمًا، أمَّا النهي عن الهجران فوق ثلاثة
أيام فإنما هو فيمن هُجِر لِحَظِّ نفسه ومعايش الدنيا، وأمَّا أهل البدع ونحوهم فهجرانهم
دائمًا .. وهذا الحديث مِمَّا يُؤيِّده مع نظائره له، كحديث كعب بن مالك وغيره. اهـ([37]).
وقال ابن حجر:
وفي الحديث جواز هجران من خالف
السُّنة وترك كلامه، ولا يدخل ذلك في النهي عن الهجر فوق ثلاث؛ فإنه يتعلَّق بِمَن
هُجِر لِحَظِّ نفسه. اهـ ([38]).
وعن قتادة قال:
حدَّث ابن سيرين رجلاً بحديث
عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال رجل: قال فلان كذا وكذا، فقال ابن سيرين: أحدِّثك
عن النبي صلى الله عليه وسلم وتقول: قال فلان كذا وكذا؟!.. لا أكلمك أبدًا([39]).
وعن سالم بن عبد الله أنَّ عبد
الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: «لا تمنعوا نساءكم المساجد
إذا استأذنكم إليها»، فقال بلال بن عبد الله: والله لنمنعهنّ.
فأقبل عليه عبد الله فسبَّه سبًّا
سيئًا ما سمعته سبَّه مثله قط، وقال: أُخبِرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: والله لنمنعهن؟!([40]).
قال النووي: فيه تعزير المعترض
على السُّنة والمعارض لها برأيه([41]).
قال ابن حجر: أُخِذ من إنكار
عبد الله على ولده تأديب المعترِض على السُّنن برأيه، وجواز التأديب بالهجران، فقد
وقع في رواية أبي نجيح عن مجاهد عند أحمد «فما كلَّمه عبد الله حتى مات»([42])، وهذا
– إن كان محفوظًا – يُحتمل أن يكون أحدهما مات عقب هذه القصة بيسير([43]).
وعن عطاء بن يسار أنَّ رجلاً
باع كسرة من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها، فقال له أبو الدرداء: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يُنهى عن مثل هذا إلاَّ مثلاً بمثل، فقال
الرجل: ما أرى بمثل هذا بأسًا.
فقال أبو الدرداء: من يعذرني
من فلان؟ أحدِّثه عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم ويخبرني عن رأيه!.. لا أساكنك بأرض أنت
بها ([44]).
وعن الأعرج قال:
سمعت أبا سعيد الخدري يقول لرجل:
أتسمعني أحدِّث عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنه قال: «لا تبيعوا الدينار بالدينار
والدرهم بالدرهم إلا مثلاً بمثل، ولا تبيعوا منها عاجلاً بآجل» ثم أنت تفتي بما تفتي،
والله لا يؤويني وإياك ما عشت إلا المسجد([45]).
وقال أبو السائب:
كنا عند وكيع، فقال لرجل عنده
مِمَّن ينظر في الرأي: أشعر([46]) رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، ويقول أبو حنيفة «هو مُثلة».
قال الرجل: فإنه قد رُوي عن إبراهيم
النخعي أنه قال: «الإشعار مُثلة»، قال: فرأيت وكيعًا غضب غضبًا شديدًا وقال: أقول لك
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: قال إبراهيم؟!.. ما أحقّك بأن تُحبس ثم لا
تخرج حتى تنـزع عن قولك هذا([47]).
وعن خُرَّزَاذ العابد قال:
حديث أبو معاوية الضرير عند هارون
الرشيد، بحديث «احتجَّ آدم وموسى».
فقال: رجل شريف من وجوه قريش
فأين لقيه؟.. فغضب هارون الرشيد وقال: النطع والسيف، زنديق يطعن في الحديث .. فما زال
أبو معاوية يُسكنه ويقول: بادرة يا أمير المؤمنين ولم يفهم، حتى سكن ([48]).
وقال عاصم: مرَّ رجل على زرِّ
بن حبيش وهو يؤذِّن فقال: يا أبا مريم، قد كنت أكرمك عن ذا، فقال: إذن لا أُكلِّمك
كلمة حتى تلحق بالله([49]).
قال الحاكم: سمعته – يعني أبا
بكر الصبغي – وهو يخاطب فقيهًا، فقال: حدِّثونا عن سليمان بن حرب، فقال له: دعنا مَن
حدَّثنا إلى متى حدَّثنا وأخبرنا؟
فقال: يا هذا، لست أشمُّ من كلامك
رائحة الإيمان، ولا يحلُّ لك أن تدخل داري .. ثم هجره حتى مات([50]).
قال الواقدي:
حدَّثني إبراهيم بن جعفر عن أبيه
قال: قال مروان بن الحكم، وهو على المدينة وعنده ابن يامين النضري: كيف كان قتل ابن
الأشرف؟ قال ابن يامين: كان غدرًا.
وكان محمد ابن مسلمة جالس، شيخ
كبير، فقال: يا مروان، أيغدر رسول الله صلى
الله عليه وسلم عندك؟.. والله ما قتلناه إلاَّ
بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم .. والله لا يؤويني وإيَّاك سقف بيت إلا المسجد،
وأما أنت يا بن يامين فلله عليّ إن أفلتّ وقدرتُ عليك وفي يدي سيف إلا ضربت به رأسك([51]).
وقال أبو عبد الله المؤذن:
كنت مع ابن أبي شريح في طريق
غور، فأتاه إنسان في بعض تلك الجبال فقال له: إنَّ امرأتي ولدت لستة أشهر..
فقال: هو ولدك، قال رسول الله
«الولد للفراش»، فعاوده، فردَّ عليه كذلك.
فقال الرجل: أنا لا أقول بهذا.
فقال: إنَّ هذا الغزو، وسلَّ عليه السيف، فأكببنا عليه، وقلنا: جاهل، لا يدري ما يقول([52]).
وقال أبو الحسين الطبسي:
سمعت أبا سعيد الأصطخري يقول:
...وجاءه رجل وقال له: أيجوز الاستنجاء بالعظم؟ قال: لا. قال: لِمَ؟ قال: لأنَّ رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: «هو زاد إخوانكم من الجن».. فقال له: الإنس
أفضل أم الجن؟
قال: بل الإنس. قال: فلِمَ يجوز
الاستنجاء بالماء وهو زاد الإنس؟
قال: فنـزا عليه وأخذ بحلقه وهو
يقول: يا زنديق، تُعارض رسول الله صلى الله
عليه وسلم ؟.. وجعل يخنقه، فلولا أني أدركته لقتله، أو كما قال([53]).
قال ابن القيم:
هل كان في الصحابة من إذا سمع
نصَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عارضه بقياسه أو ذوقه أو وجده أو عقله أو سياسته؟..
وهل كان قط أحدٌ منهم يقدم على نصِّ رسول الله
صلى الله عليه وسلم عقلاً أو قياسًا
أو ذوقًا أو سياسة أو تقليد مقلِّد؟. فلقد أكرم الله أعينهم وصانها أن تنظر إلى وجه
من هذا حاله أو يكون في زمانهم.
ولقد حكم عمر بن الخطاب رضي الله عنه
على من قدَّم حُكمه على نصِّ الرسول بالسيف، وقال: هذا حُكمي فيه..
فيا الله!
كيف لو رأى ما رأينا؟ وشاهد ما
بُلينا به من تقديم رأي كلِّ فلان وفلان على قول المعصوم صلى الله عليه وسلم ، ومعاداة من اطَّرح آراءهم
وقدَّم عليها قول المعصوم؟
فالله المستعان .. وهو الموعد
.. وإليه المرجع([54]).
& & &
الخَاتَمَـة
هذه نصوص الكتاب والسُّنة جليَّة
في تعظيم السُّنة.
وهذا موقف السلف (الصحابة والتابعين)
مِمَّن عارضها، ترى فيه القوَّة والحزم والشدَّة على من بدر منه شيءٌ فيه معارضة السُّنة.
قال ابن القيم:
وقد كان السلف الطيب يشتدُّ نكيرهم
وغضبهم على من عارض حديث رسول الله صلى الله
عليه وسلم برأيٍ أو قياسٍ أو استحسانٍ أو قول
أحدٍ من الناس كائنًا من كان، ويهجرون فاعل ذلك، وينكرون على من يُضرب له الأمثال،
ولا يسوغون غير الانقياد له والتسليم والتلقِّي بالسمع والطاعة، ولا يخطر بقلوبهم التوقف
في قبوله([55]).
فقارن أيها المسلم بين موقف السلف
مِمَّن عارض السُّنة وموقف أهل هذا العصر مِمَّن استهزأ بالسُّنة.
وقبل ذلك انظر قول أولئك، ثم
انظر قول أهل هذا العصر.
أمَّا أولئك فقد رأيت، وأما هؤلاء
فخُذ أمثلة على استهزائهم:
1- ردَّ بعضهم حديثًا فقيل له:
إنه في صحيح مسلم، فقال: ضعه تحت قدمك!
2- ويقول أحدهم بكلِّ وقاحة تعليقًا
على حديث «إذا وقع الذباب في إناء أحدكم...»: أنا آخذ بقول الطبيب الكافر ولا آخذ بقول
الرسول!
3- وقال آخر: إذا عارض الحديث
العقل فردّه. فقيل له: وإن كان في صحيح البخاري؟.. قال: وإن كان في صحيح البخاري، ولا
كرامة!
هكذا يستهزئ هؤلاء بالسُّنة ويسخرون!
فما موقف أهل زماننا منهم وكيف
يعاملونهم؟
بالهجر والزجر والمقاطعة؟.. لا.
بل أكثر يُمجِّدونهم ويُعظِّمونهم،
اتباعًا للهوى وتحكيمًا للرأي ]وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى
مِنَ اللَّهِ[ [القصص : 50].
قد اغترُّوا بكثرة أعمالهم وشهرتهم
عند الناس، ونسوا أنَّ من شرط قبول الأعمال الإيمان ]وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ
وَهُوَ مُؤْمِنٌ[ [طه : 112].
والاستهزاء بالسُّنة ناقض للإيمان،
وهذا ناتج عن عدم اتباع الكتاب والسُّنة، ]إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا
تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى[ [النجم : 23].
]أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ
إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ
وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ[
[الجاثية : 23].
وفي الحديث: «ستفترق أمتي على
بضع وسبعين فرقة، أعظمها فتنة على أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم فيُحرِّمون الحلال
ويُحلِّلون الحرام»([56]).
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
أنه قال: «إياكم وأصحاب الرأي؛ فإنهم أعداء السنن، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها،
فقالوا بالرأي فضلُّوا وأضلُّوا»([57]).
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : «لو كان الدِّين بالرأي لكان أسفل
الخفِّ أولى بالمسح من أعلاه»([58]).
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : «إنكم ستجدون أقوامًا يزعمون أنهم
يدعونكم إلى كتاب الله وقد نبذوه وراء ظهورهم، فعليكم بالعلم، وإياكم والتبدُّع، وإياكم
والتنطُّع، وإياكم والتعمُّق، وعليكم بالعتيق»([59]).
من أسباب الابتداع ترك الاتباع:
عن الفضل بن زياد قال: سألت أبا
عبد الله عن الكرابيسي وما أظهره فكلح وجهه، ثم أطرق, ثم قال: هذا قد أظهر رأي جهم,
قال:) وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ
كَلامَ اللَّهِ تاريخ بغداد([التوبة: 6] , فممن يسمع؟ وقال النبي - صلى الله عليه وسلم
-: «فله الأمان حتى يسمع كلام الله» , إنما جاء بلاؤهم من هذه الكتب التي وضعوها, تركوا
آثار رسول الله وأصحابه, وأقبلوا على هذه الكتب.تاريخ بغداد(8/ 66)
عن حميد بن الصباح مولى المنصور
عن أبيه قال: أراد المنصور أن يذرع الكرخ، فقال لي: احمل الذراع معك، فخرج وخرجت معه
ونسيت أن أحمل الذراع، فلما صرنا بباب الشرقية قال لي: أين الذراع؟ فدهشت وقلت: أنسيته
يا أمير المؤمنين. فضربني بالمقرعة, فشجني وسال الدم على وجهي، فلما رآني قال: أنت
حر لوجه الله، حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم
-: «من ضرب عبده في غير حد حتى يسيل دمه, فكفارته عتقه».تاريخ بغداد(8/ 166)
عن عبد الرحمن بن مهدي قال: رأيت
سفيان الثوري في النوم فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: لم يكن إلا أن وضعت في اللحد حتى
وقفت بين يدي الله تعالى, فحاسبني حساباً يسيراً, ثم أمر بي إلى الجنة، فبينما أنا
أدور بين أشجارها وأنهارها, ولا أسمع حساً, ولا حركة، إذ سمعت قائلاً يقول: سفيان بن
سعيد؟! فقلت: سفيان بن سعيد, قال: تحفظ أنك آثرت الله على هواك يوماً ما؟ قال: قلت:
إي والله, فأخذني صواني النثار من جميع الجنة.تاريخ بغداد(8/ 438)
عن عبد الله بن أحمد قال: لم
يسمع أبي من شعيب بن حرب ببغداد إنما سمع منه بمكة، قال أبي: جئنا إليه أنا وأبو خيثمة,
وكان ينزل مدينة أبى جعفر على قرابة له، قال فقلت: لأبي خيثمة سله، قال: فدنا إليه
فسأله فرأى كمه طويلاً، فقال: من يكتب الحديث يكون كمه طويلاً! يا غلام هات الشفرة,
قال: فقمنا ولم يحدثنا بشيء.تاريخ بغداد(9/ 241)
عن محمد بن مغلس قال: حدثنا شعيب
بن محرز - ودخلت عليه بالبصرة وأنا أجر إزارى - فقال لي: ارفع يا شاب إزارك؛ فإن شعبة
أبا بسطام أخبرني عن سعيد بن أبي سعيد المقبري قال: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ما أسفل من الكعبين من الإزار في النار».تاريخ
بغداد(9/ 385)
عن عبد الله بن عكيم قال: كنا
عند حذيفة بالمدائن فاستسقى دهقانا, فجاءه بماء في إناء من فضة، فحذفه به حذيفة - وكان
رجلاً فيه حدة - فكرهوا أن يكلموه، ثم التفت إلى القوم فقال: أعتذر إليكم من هذا؛ إني
كنت تقدمت إليه أن لا يسقيني في هذا، ثم قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قام فينا فقال: «لا تشربوا في آنية الفضة والذهب، ولا تلبسوا الديباج والحرير؛ فإنها
لهم في الدنيا ولكم في الآخرة».تاريخ بغداد(10/ 3)
عن عبد الرحمن الطبيب - وهو طبيب
أحمد بن حنبل وبشر الحافي - قال: اعتلا جميعاً في مكان واحد فكنت أدخل إلى بشر فأقول
له: كيف تجدك يا أبا نصر؟ قال: فيحمد الله ثم يخبرني فيقول: أحمد الله إليك أجد كذا
وكذا، وأدخل إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل فأقول: كيف تجدك يا أبا عبد الله؟ فيقول:
بخير، فقلت له يوماً: إن أخاك بشراً عليل, واسأله عن خبره, فيبدأ بحمد الله ثم يخبرني،
فقال: سله عمن أخذ هذا؟ فقلت له: إني أهاب أن أسأله، فقال: قل له: يقول لك أخوك أبو
عبد الله: عمن أخذت هذا؟ قال: فدخلت عليه فعرفته ما قال فقال لي: أبو عبد الله لا يريد
الشيء إلا بالإسناد: أزهر عن ابن عون عن ابن سيرين: إذا حمد الله العبد قبل الشكوى
لم تكن شكوى وإنما أقول لك أجد كذا أعرف قدرة الله في، قال: فخرجت من عنده فمضيت إلى
أبي عبد الله فعرفته ما قال، قال: وكنت بعد ذلك إذا دخلت إليه يقول: أحمد الله إليك:
ثم يذكر ما يجدهتاريخ بغداد(10/ 277)
عن عيسى بن أحمد بن عثمان الهمداني
قال: كان عبد العزيز بن عبد الله الداركي إذا جاءته مسألة يستفتى فيها تفكر طويلاً,
ثم أفتى فيها, وربما كانت فتواه خلاف مذهب الشافعي وأبي حنيفة رضي الله وتعالى عنهما،
فيقال له في ذلك، فيقول: ويحكم حدث فلان عن فلان عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم
- بكذا وكذا, والأخذ بالحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولى من الأخذ بقول
الشافعي وأبي حنيفة إذا خالفاه.تاريخ بغداد(10/ 464)
عن الحكم بن عمرو الغفاري قال:
دخلت أنا وأخي رافع بن عمرو, وأنا مخضوب بالحناء وأخي رافع مخضوب بالصفرة، فقال لي:
عمر هذا خضاب الإسلام، وقال لأخي رافع: هذا خضاب الإيمان.تاريخ بغداد(11/ 36)
عن محمد بن سماعه قال: كان عيسى
بن أبان حسن الوجه وكان يصلي معنا, وكنت أدعوه أن يأتي محمد بن الحسن، فيقول: هؤلاء
قوم يخالفون الحديث، وكان عيسى حسن الحفظ للحديث, فصلى معنا يوماً الصبح وكان يوم مجلس
محمد فلم أفارقه حتى جلس في المجلس فلما فرغ محمد أدنيته إليه وقلت: هذا ابن أخيك أبان
بن صدقة الكاتب, ومعه ذكاء ومعرفة بالحديث, وأنا أدعوه إليك فيأبى ويقول: إنا نخالف
الحديث فأقبل عليه وقال له: يا بني ما الذي رأيتنا نخالفه من الحديث لا تشهد علينا
حتى تسمع منا، فسأله يومئذ عن خمسة وعشرين باباً من الحديث, فجعل محمد بن الحسن يجيبه
عنها, ويخبره بما فيها من المنسوخ ويأتي بالشواهد والدلائل, فالتفت إلي بعد ما خرجنا
فقال: كان بيني وبين النور ستر فارتفع عني، ما ظننت أن في ملك الله مثل هذا الرجل يظهره
للناس، ولزم محمد بن الحسن لزوماً شديداً حتى تفقه به.تاريخ بغداد(11/ 158)
عن ابن عبد الله بن مغفل قال:
سمعني أبي وأنا أقول: اللهم إني أعوذ بك من النار وحميمها وغساقها وسلاسلها وأغلالها
وأنكالها, وأسألك الجنة ونعيمها وأزواجها، وأسألك القصر الأبيض الذي عن يمين الجنة،
فقال: يا بني إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «سيأتي قوم يعتدون في
الدعاء, وإني أعيذك بالله أن تكون منهم إذا أعطيت الجنة أعطيت كل ما عددت فيها, وإذا
آجرت من النار أجرت مما عددت فيها ومما لم تعد».تاريخ بغداد(11/ 176)
عن مقاتل بن حيان قال: كتب عامل
عمر بن عبد العزيز على الموصل إلى عمر: أن رجلاً أحرق كدساً له, فطارت شرارة فأحرقت
بيادر الناس وأكداسهم، قال: فكتب إليه عمر: أنه بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - قال: «العجماء جبار، ألا وإن الجبار لا غرم فيه».تاريخ بغداد(11/ 183)
عن عبد الرزاق بن سليمان بن علي
بن الجعد عن أبيه قال: لما أحضر المأمون أصحاب الجوهر، فناظرهم على متاع كان معهم,
ثم نهض المأمون لبعض حاجته ثم خرج, فقام كل من كان في المجلس إلا ابن الجعد فإنه لم
يقم، قال: فنظر إليه المأمون كهيئة المغضب ثم استخلاه فقال له: يا شيخ ما منعك أن تقوم
لي كما قام أصحابك؟ قال اجللت أمير المؤمنين للحديث الذي نأثره عن النبي - صلى الله
عليه وسلم -، قال: وما هو؟ قال علي بن الجعد: سمعت المبارك بن فضالة يقول: سمعت الحسن
يقول: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من أحب أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوأ
مقعده من النار»، قال: فأطرق المأمون متفكراً في الحديث, ثم رفع رأسه فقال: لا يشترى
إلا من هذا الشيخ، قال: فاشترى منه ذلك اليوم بقيمة ثلاثين ألف دينار.تاريخ بغداد(11/
361)
عن عبد الملك بن قريب الأصمعي
أنه قال: كنت عند الرشيد يوماً, فرفع إليه في قاضٍ كان قد استقضاه يقال له: عافية،
فكبر عليه فأمر بإحضاره، وكان في المجلس جمع كثير، فجعل أمير المؤمنين يخاطبه ويوقفه
على ما رفع إليه وطال المجلس، ثم إن أمير المؤمنين عطس فشمته من كان بالحضرة ممن قرب
منه سواه, فإنه لم يشمته فقال له الرشيد: ما بالك لم تشمتني كما فعل القوم؟ فقال له
عافية: لأنك يا أمير المؤمنين لم تحمد الله, فلذلك لم اشمتك، هذا النبي - صلى الله
عليه وسلم - عطس عنده رجلان فشمت أحدهما ولم يشمت الآخر فقال يا رسول الله: مالك شمت
ذلك ولم تشمتني؟ قال: «لأن هذا حمد الله فشمتناه, وأنت فلم تحمده فلم أشمتك»، فقال
له الرشيد: ارجع إلى عملك أنت لم تسامح في عطسة تسامح في غيرها، وصرفه منصرفاً جميلاً,
وزبر القوم الذين كانوا رفعوا عليه.تاريخ بغداد(12/ 309)
عن المدائني قال: مر المنصور
بفَرج بن فَضالة فلم يقم له، فقيل له في ذلك، فقال: خشيت أن يسألني لِمَ قمت؟ ويسأله
لِمَ رضيت؟.تاريخ بغداد(12/ 394)
وفي رواية أنه: أقبل المنصور
يوماً راكباً - والفرج بن فضالة جالس عند باب الذهب - فقام الناس، فدخل من الباب ولم
يقم له الفرج, واستشاط غضباً ودعا به، فقال له: ما منعك من القيام حين رأيتني؟ قال:
خفت أن يسألني الله عنه لِمَ فعلت؟ ويسألك لِمَ رضيت؟ وقد كرهه رسول الله - صلى الله
عليه وسلم -, قال: فبكى المنصور وقربه وقضى حوائجه.تاريخ بغداد(12/ 394)
عن مبارك بن فضالة قال: وفدا
بن سوار في وفد من أهل البصرة إلى أبي جعفر، فإنا لعنده ذات يوم, إذ أتي برجل فأمر
بقتله, فقلت في نفسي: يقتل رجل من المسلمين وأنا حاضر، فقلت: يا أمير المؤمنين ألا
أحدثك حديثاً سمعته من الحسن؟ قال: وما هو؟ قلت: حدثنا الحسن قال: قال رسول الله -
صلى الله عليه وسلم -: «إذا كان يوم القيامة جمع الناس في صعيد واحد حيث يسمعهم الداعي
وينفذهم البصر، فيقوم مناد من عند الله فيقول: ليقومن من له على الله يد، فلا يقومن
إلا من عفا» فأقبل عليَّ فقال: آلله لسمعته من الحسن؟ قال قلت: آلله لسمعته من الحسن،
قال: خليا عنه.تاريخ بغداد(13/ 212)
عن أبي حنيفة قال: لقيت عطاء
بمكة، فسألته عن شيء، فقال: من أين أنت؟ قلت: من أهل الكوفة، قال: أنت من أهل القرية
الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا؟ قلت: نعم، قال: فمن أي الأصناف أنت؟ قلت: ممن لا يسب
السلف، ويؤمن بالقدر، ولا يكفر أحداً بذنب قال: فقال لي عطاء: عرفت فالزم.تاريخ بغداد(12/
331)
عن خرزاذ القائد قال: كنت عند
الرشيد، فدخل أبو معاوية الضرير وعنده رجل من وجوه قريش، فجرى الحديث إلى أن خرج أبو
معاوية إلى حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة: أن موسى لقي آدم فقال: أنت آدم الذي
أخرجتنا من الجنة .. وذكر الحديث، فقال القرشي: أين لقى آدم موسى؟ قال: فغضب الرشيد
وقال: النطع والسيف, زنديق والله يطعن في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال:
فما زال أبو معاوية يسكنه ويقول: كانت منه بادرة ولم يفهم يا أمير المؤمنين، حتى سكنه.تاريخ
بغداد(14/ 7)
عن أبي يوسف القاضي أنه قال
- عند وفاته -: كل ما أفتيت به فقد رجعت عنه إلا ما وافق كتاب الله وسنة رسول الله
- صلى الله عليه وسلم -.تاريخ بغداد(14/ 254)
عن أبي بكر الخراساني قال: تبعت
أحمد بن حنبل يوم الجمعة إلى مسجد الجامع, فقام عند قبة الشعراء يركع والأبواب مفتحة,
وكان يتطوع ركعتين ركعتين، فمر بين يديه سائل فمنعه منعاً شديداً, وأراد السائل أن
يمر بين يديه، فقمنا إلى السائل فنحيناه.تاريخ بغداد(14/ 387)
سأل جعفر بن نصير بكران الدينوري
- وكان يخدم الشبلي ما الذي رأيت منه - يعني عند وفاته -؟ فقال: قال لي: علي درهم مَظلمة,
وتصدقت عن صاحبه بألوف فما على قلبي شغل أعظم منه، ثم قال: وضيني للصلاة، ففعلت فنسيت
تخليل لحيته وقد أمسك على لسانه, فقبض على يدي وأدخلها في لحيته ثم مات، فبكى جعفر
وقال: ما تقولون: في رجل لم يفته في آخر عمره أدب من آداب الشريعة؟!.تاريخ بغداد(14/
396)
عن سعيد بن عمرو البرذعي قال:
شهدت أبا زرعة - وسئل عن الحارث المحاسبي وكتبه - فقال للسائل: إياك, وهذه الكتب, هذه
كتب بدع, وضلالات, عليك بالأثر؛ فإنك تجد فيه ما يغنيك عن هذه الكتب, قيل له: في هذه
الكتب عبرة, قال: من لم يكن له في كتاب الله عبرة, فليس له في هذه الكتب عبرة, بلغكم
أن مالك بن أنس, وسفيان الثوري, و الأوزاعي والأئمة المتقدمين صنفوا هذه الكتب في الخطرات
والوساوس, وهذه الأشياء, هؤلاء قوم خالفوا أهل العلم يأتونا مرة بالحارث المحاسبي,
ومرة بعبد الرحيم الديبلي, ومرة بحاتم الأصم, ومرة بشقيق, ثم قال: ما أسرع الناس إلى
البدع.تاريخ بغداد(8/ 215)
قال ابن القيم – رحمه الله –: (( وقد كان ابن عباس شديداً على القدريّة،
وكذلك الصحابة ))
فهذا عمر بن الخطاب قد شجّ رأس صبيغ بن عسل لما كان يسأل عن المتشابه في
القرآن، فعن سليمان بن يسار أنّ رجلاً من بني غنيم يقال له: صَبيغ بن عِسْل قدم المدينة،
وكانت عنده كتب، فجعل يسأل عن متشابه القرآن فبلغ ذلك عمر فبعث إليه وقد أعدّ له عراجين
النخيل.
فلما دخل عليه جلس، قال: من أنت؟
قال: أنا عبد الله صَبيغ.
قال عمر: وأنا عبد الله عمر وأومأ عليه فجعل يضربه بتلك العراجين، فما زال
يضربه حتى شجّه وجعل الدم يسيل على وجهه.
فقـال: حسبك يا أمير المؤمنين فقد والله ذهب الذي أجد في رأسـي))
فهل كان صبيغ قدريا أو منافقا؟ لا بل كان يسأل عن متشابه القرآن فبهذا السبب
اشتد عليه عمر رضي الله عنه.
وكان سمرة بن جندب - رضي الله عنه - شديداً على الخوارج فكانوا يطعنون عليه.
وهذا – أيضاً - الإمام القدوة شيخ الإسلام أبو سلمة حماد بن سلمة البصري
(ت: 167 )، قـال الذهـبي في ترجمته: قال شيخ الإسلام (أبو إسماعيل الأنصاري ) في الفاروق
له: (( قال أحمد بن حنبل: إذا رأيت الرجل يغمز حماد بن سلمة فاتهمه على الإسلام؛ فإنّه
كان شديداً على المبتدعة))
وكذلك الإمام عبد الرحمن بن هرمز الأعرج ( ت: 117 ) والإمـام عبد الرحمن
بن القاسم ( ت: 126 ) – رحمهما الله -، قال عنهما الإمام مالك: (( كان ابن هرمز قليل
الكلام، وكان يشدّ على أهل البدع، وكان أعلم الناس بما اختلفوا فيه مــن ذلك، وكــذا
كان عبد الرحمن بن القاسم))
وهذا إمام دار الهجرة مالك بن أنس ( ت: 179 ) - رحمه الله - يقول: (( لا
تسلم على أهل الأهواء ولا تجالسهم إلا أن تغلظ عليهم، ولا يعاد مريضهم، ولا تحـدث عنهم
الأحاديث ))
وقال أبو رجاء قتيبة بن سعيد:
" كان عمر بن هارون شديداً على المرجئة، وكان يذكر مساوئهم وبلاياهم
"
فانظر بارك الله فيك شدة السلف على المبتدعة.
قال الفضيل بن عياض رحمه الله أحب أن يكون بيني و بين صاحب بدعةٍ حصن من
حديد . آكل عند اليهودي و النصراني أحب إليّ من صاحب بدعة ) .[ رواه اللالكائي في شرح
أصول الاعتقاد : 2/638 ] .
و عن أوس بن عبد الله الربعي أنّه كان يقول : ( لأن يجاورني القردة و الخنازير
في دار ، أحب إليّ من أن يجاورني رجل من أهل الأهواء ) . [ رواه اللالكائي في شرح أصول
الاعتقاد : 1/131 ، و ابن بطة في الإبانة الكبرى : 2/ 467 ].
و دُعي أيوب السختياني إلى غسل ميّت ، فخرج مع القوم حتى إذا كشف عن وجهه
عرَفه ، فقال
: ( أقبِلوا قِبَل صاحبكم ، فلست أغسله ، رأيته يماشي صاحب بدعة )
. [ رواه ابن بطة في الإبانة الكبرى : 2/ 467 ].
و حكى الإمام الصابوني أنّ أهل السنة اتفقوا على القول بقهر أهل البدع و
إذلالهم و إخزائهم و إبعادهم و إقصائهم و التباعد منهم و عن صحبتهم و عن مجادلتهم ،
و التقرّب إلى الله ببغضهم و مهاجرتهم ) .[ عقيدة السلف أصحاب الحديث ، للصابوني ،
ص : 130 ].
قال إبراهيم بن ميسرة : ( من وقر صاحب بدعة ، فقد أعان على هدم الإسلام
) .
و قال سفيان الثوري رحمه الله : ( من سمع مبتدعاً لم ينفعه الله بما سمع
، و من صافحه فقد نقض الإسلام عروةً عروةً ).[ الأمر بالاتباع ، للسيوطي ، ص : 19
]
ورحم الله أحد السلف حين قال: ((إذا رأيتَ الشابَّ أول ما ينشأ مع أهل السنة
والجماعة فارجه، وإذا رأيته مع أهل البدع فايئس منه، فإنَّ الشاب على أول نشوئه))،
وقد ذكره ابن مفلح في الآداب الشرعية عن الإمام أحمد، وذكره ابن بطه عن عمرو بن قيس
الملائي.
فتحذير العوام وطلبة العلم الصغار من أعيان المبتدعة الذين قد يتأثرون بهم
من خلال القنوات الفضائية أو الدروس والخطب والكتب المنتشرة في واقعهم المحيط بهم واجب
على الدعاة وطلبة العلم.وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله [المجموع 28/ 231]:
((ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة أو العبادات المخالفة للكتاب
والسنة، فإنَّ بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين، حتى قيل لأحمد بن
حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحبُّ إليك أو يتكلم في أهل البدع؟! فقال: إذا قام وصلى
واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلَّم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين؛ هذا أفضل)).
قول عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي.
(ت: 157 هـ )
قال الإمام الأوزاعي – رحمه الله – في كتابٍ له ([184]):
" اتقوا الله معشر المسلمين، واقبلوا نصح الناصحين، وعظة الواعظين،
واعلموا أن هذا العلم دين فانظروا ما تصنعون وعمن تأخذون وبمن تقتدون ومن على دينكم
تأمنون؛ فإن أهل البدع كلهم مبطلون أفّاكون آثمون لا يرعوون ولا ينظرون ولا يتقون ولا
مع ذلك يؤمنون على تحريف ما تسمعون ويقولون مالا يعلمون في سرد ما ينكرون وتسديد ما
يفترون، والله محيـط بما يعملون فكونوا لهم حذرين متهمين رافضين مجانبين، فإن علماءكم
الأولين ومن صلح من المتأخرين كذلك كانوا يفعلون ويأمرون، واحذروا أن تكونوا على الله
مظاهرين، ولدينه هادمين، ولعراه ناقضين موهنين بتوقير لهم أو تعظيم أشد من أن تأخذوا
عنهم الدين وتكونوا بهم مقتدين ولهم مصدّقين موادعين مؤالفين، معينين لهم بما يصنعون
على استهواء من يستهون، وتأليف من يتألفون من ضعفاء المسلمين لرأيهم الذي يرون، ودينهم
الذي يدينون، وكفى بذلك مشاركة لهم فيما يعملون ".
قلت:
فهذه نصيحة إمام عالم مشفق على المسلمين، عرف أهل البدع وخَبَرَهم، وتنبه
لطرائقهم وإفسادهم.
فأخبر بأنهم كلهم أصحاب إفك وإثم وعدم تقوى، وأنهم أهل تحريف وقول على الله
بلا علم.
ثم وضّـح كيفية التعامل معهم وذلك بالحذر والتحذير والمجانبة والهجر، وأوضح
أن العلماء الأولين، وكذلك من تبعهم من المتأخرين على ذلك كانوا سائرين.
وبيّن أنّ توقير أهل البدع أو تعظيمهم بأخذ العلم والدين عنهم هدمٌ لعرى
الدين وإعانة على نقضه.
قال الفضيل بن عياض - رحمه الله -: " من عظّم صاحب بدعة فقد أعان على
هدم الإسلام، ومن تبسم في وجه مبتدع فقد استخف بما أنزل الله - عز وجل - على محمد
- صلى الله عليه و سلم -، ومن زوّج كريمته من مبتدع فقد قطـع رحمهـا، ومن تبع جنازة
مبتدع لم يزل في سخط الله حتى يرجع"([185])
وقال الشاطبي - رحمه الله -:
" فإن توقير صاحب البدعة مظنّة لمفسدتين تعودان على الإسلام بالهدم:
إحداهما: التفات الجهال والعامة إلى ذلك التوقير، فيعتقدون في المبتدع أنّه
أفضل الناس، وأن ما هو عليه خير مما عليه غيره، فيؤدي ذلك إلى اتباعه على بدعته دون
اتباع أهل السنّة على سنّتهم.
والثانية: أنّه إذا وُقِّرَ من أجل بدعته صار ذلك كالحادي المحرض له على
إنشاء الابتداع في كل شيء.
وعلى كل حـال فتحيا البـدع وتموت السنن، وهو هدم الإسلام بعينه."([186])
فاعمل - أخي في الله - بنصيحة هذا الإمام الخبير النحرير، تأمن الهلاك واتباع
الأهواء.
- قول عبد الرحمن بن أبي الزناد.
( ت: 174 هـ )
قال ابن بطة رحمه الله: حدثنا أبو القاسم حفص بن عمر، قال: حدثنا أبو حاتم
الرازي، قال: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي
الزناد قال:
" أدركنا أهل الفضل والفقه من خيار أوليّة الناس يعيبون أهل الجدل
والتنقيـب والأخذ بالرأي أشد العيب، وينهوننا عن لقائهم، ومجالستهم، وحذرونا مقاربتهم
أشد التحذير، ويخبرونا أنهم على ضـلال، وتحريـف لكتاب الله وسنـن رسوله – صلى الله
عليه و سلم -، وما توفي رسول الله – صلى الله عليه و سلم - حتى كره المسائل، والتنقيب
عن الأمور، وزجر عن ذلك، وحذره المسلمين في غير موضع حتى كان من قول النبي – صلى الله
عليه و سلم - في كراهيـة ذلك أن قال: " ذروني ما تركتكم، فإنما هلك الذين من قبلكم
بسؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا
منه ما استطعتم " "([187]).
قلت:
فانظر أخي في الله كيف نقل هذا الإمام هجر المبتدعة وعيبهم أشد العيب والنهي
عن لقائهم ومجالستهم والتحذير من مقاربتهم، عمن أدركه من أهل الفضل والفقه من خيار
أوليّة الناس.
لا سيما وقد أدرك عدداً من كبار التابعين، ومن دونهم من الأئمة، كسهيل بن
أبي صالح، وشرحبيل بن سعد، وصالح مولى التوأمة، وأبيه أبي الزناد عبد الله بن ذكـوان،
وعبد الرحمن بن الحارث المخزومـي، وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، وعبد المجيد بن سهيـل،
وعمر بن عبد العزيز، ومعاذ بن معاذ، وموسى بن عقبة، وهشـام بن عروة، وغيرهم([188])
– رحم الله الجميع -.
- قول الفضيل بن عياض.
(ت: 187 هـ )
قال – رحمه الله -:
" إن لله – عز وجل - ملائكة يطلبون حلق الذكر، فانظر مع من يكون مجلسك،
لا يكون مع صاحب بدعة؛ فإن الله تعالى لا ينظر إليهم، وعلامة النفاق أن يقوم الرجل
ويقعد مـع صاحب بدعة، وأدركت خيار الناس كلهم أصحـاب سنـة وهم ينهون عن أصحاب البدعة"([189])
قلت:
والفضيل بن عياض - رحمه الله - له كلام كثير نفيس في ذم أهل البدع والتحذير
منهم، فمن ذلك:
قوله: " من جالس صاحب بدعة لم يعط الحكمة "
وقال: " لا تجلس مع صاحب بدعة، فإني أخاف أن تنـزل عليك اللعنة"
وقال: " من أحب صاحب بدعة أحبط الله عمله وأخرج نور الإسلام من قلبه
"
وقال: " آكل مع يهودي ونصراني ولا آكل مع مبتدع وأحب أن يكون بيني
وبين صاحب بدعة حصن من حديد " ([190]).
- قول الإمام أبي عبيد القاسم بن
سلام.
( ت: 224 هـ )
قال - رحمه الله تعالى - في كتابه (( الإيمان )) ([191]):
(( باب ذكر ما عابت به العلماء من جعل الإيمان قولاً بلا عمل، وما نهوا
عنه من مجالِسهم.
وذكر فيه بعض الآثار منها :
قال أبو عبيد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن مهدي بن ميمون، عن الوليد بن
مسلم قال: (( دخل فلان - قد سماه إسماعيل ولكن تركت اسمه أنا - على جندب بن عبد الله
البجلي فسأله عن آية من القرآن؟ فقال: أحرج عليك إن كنت مسلماً لما قمت، قال: أو قال:
أن تجالسني أو نحو هذا القول)) .
قال أبو عبيد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب، قال لي سعيد بن جبير غير
سائله ولا ذاكراً له شيئاً:
(( لا تجالس فلاناً (وسماه أيضاً) فقال: إنه كان يرى هذا الرأي )) .
والحديث في مجانبة الأهواء كثير، ولكنّا إنما قصدنا في كتابنا لهؤلاء خاصةً.
وعلى مثل هذا القول كان سفيان والأوزاعي ومالك بن أنس، ومن بعدهم من أرباب
العلم وأهل السنة الذين كانوا مصابيح الأرض وأئمة العلم في دهرهم، من أهل العراق والحجاز
والشام وغيرها، زارين([192]) على أهل البدع كلها، ويرون الإيمان : قولاً وعملاً ))
.
-
قول الإمام أحمد بن حنبل.
( ت: 241 هـ )
قال ابن بطة – رحمه الله تعالى -:
" حدثني أبو صالح محمد بن أحمد، قال: حدثنا أبو الحسن على بن عيسى
بن الوليد العكبري، قال: حدثني أبو علي حنبل بن إسحاق بن حنبل، قال: كتب رجل إلى أبي
عبد الله – رحمه الله – كتاباً يستأذن فيه أن يضع كتاباً يشرح فيه الرد على أهل البدع،
وأن يحضر مع أهل الكلام فيناظرهم ويحتج عليهم، فكتب إليه أبو عبد الله:
" بسم الله الرحمن الرحيم.
أحسن الله عاقبتك، ودفع عنك كل مكروه ومحـذور، الذي كنا نسمع، وأدركنا عليه
من أدركنا من أهل العلم، أنهم يكرهون الكلام والجلوس مع أهل الزيغ، وإنما الأمور بالتسليم
والانتهاء إلى ما كان في كتاب الله أو سنة رسول الله لا في الجلوس مع أهل البدع والزيغ
لترد عليهم، فإنهم يلبسون عليك وهم لا يرجعون.
فالسلامة إن شاء الله في ترك مجالستهم والخوض معهم في بدعتهم وضلالتهم.
فليتق الله امرؤ، وليصر إلى ما يعود عليه نفعه غداً من عمل صالح يقدمـه
لنفسه، ولا يكن ممن يحدث أمراً، فإذا هو خرج منه أراد الحجة، فيحمل نفسه على المحال
فيه، وطلب الحجة لما خرج منه بحق أو بباطل، ليزين به بدعته وما أحدث، وأشد مـن ذلك
أن يكون قد وضعه في كتاب قد حمل عنه فهو يريد أن يزين بالحق والباطل، وإن وضح له الحق
في غيره.
ونسأل الله التوفيق لنا ولك والسلام عليك "([193]).
وقال الإمام أحمد -أيضاً- :
(( عليكم بالسنَّة والحديث وما ينفعكم الله به وإياكم والخوض والجدال والمراء؛
فإنّه لا يفلح من أحب الكلام وكل من أحدث كلاماً لم يكن آخر أمره إلا إلى بدعة؛ لأن
الكلام لا يدعو إلى خير، ولا أحب الكلام ولا الخوض ولا الجدال، وعليكم بالسنن والآثار
والفقه الذي تنتفعون به، ودعوا الجدال وكلام أهل الزيغ والمراء، أدركنا الناس ولا يعرفون
هذا ويجانبون أهل الكلام، وعاقبة الكلام لا تؤول إلى خير أعاذنا الله وإياكم من الفتن
وسلمنا وإياكم من كل هلكة )) ([194]).
وقال -رحمه الله- :
(( تجنبوا أصحاب الجدال والكلام، عليكم بالسنن، وما كان عليه أهل العلم
قبلكم؛ فإنّهم كانوا يكرهون الكلام والخوض في أهل البدع والجلوس معهم، وإنما السلامة
في ترك هذا، لم نؤمر بالجدال والخصومات مع أهل الضلالة؛ فإنَّه سلامة له منه ))
([195]).
وقال ابن أبي يعلى -رحمه الله-: ((لا تختلف الرواية في وجوب هجر أهل البدع
وفساق الملة))([196]).
قلت:
فبـين – رحمه الله – أن مذهـب أهل العلم ممن سمع عنهم أو أدركهم: هو هجران
أهل البدع، وبين ما تؤدي إليه مخالطة أهل البدع من نتائج وخيمة، ولو كانت مخالطتهم
للرد عليهم، فإنّ المرء لا يَأمَن على نفسه الفتنة.
ومخالطتهم هلاك بيّن وسمّ قاتل، قال ابن القيم – رحمه الله – في بيان أقسام
الناس من حيث المخالطة([197]):
" القسم الرابع: من مخالطته الهلاك كله، ومخالطته بمنـزلة أكل السّم،
فإن اتفق لآكله ترياق وإلا فأحسن الله فيه العزاء، وما أكثر هذا الضرب في الناس لا
كثّرهم الله: وهم أهل البدع والضلالة الصّادون عن سنّة رسول الله - صلى الله عليه و
سلم - الداعون إلى خلافها الذين يصدّون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً، فيجعلون السنّة
بدعة والبدعة سنّة، والمعروف منكراً والمنكر معروفاً … فالحزم كل الحزم التماس مرضات
الله تعالى ورسوله بإغضابهم وأن لا تشتغل بأعتابهم ولا باستعتابهم ولا تبالي بذمهم
ولا بغضهم فإنّه عين كمالك ".
وفي قول الإمام أحمد – رحمه الله - أبلغ ردّ على من خالط أهل البدع بحجة
إصلاحهم والإنكار عليهم، ويوضح ذلك - أيضاً – الإمام ابن بطة حيث قال بعد أن نقل بسنده
حديـث النبي – صلى الله عليه و سلم -: " من سمع منكم بخروج الدجال فلينأ عنه ما
استطاع؛ فإن الرجل يأتيه وهـو يحسب أنه مؤمن فما يـزال به حتى يتبعه لما يرى من الشبهات"([198]).
قال – رحمه الله -:
" هذا قول الرسول – صلى الله عليه و سلم - وهو الصادق المصدوق، فالله،
الله معشر المسلمين لا يحملن أحداً منكم حسن ظنه بنفسه وما عهده من معرفته بصحة مذهبه،
على المخاطرة بدينه في مجالسة بعض أهل هذه الأهواء، فيقول: أداخله لأناظره أو لأستخرج
منه مذهبه، فإنهم أشد فتنة من الدجال وكلامهم ألصق من الجرب، وأحرق للقلوب من اللهب.
ولقد رأيت جماعة من الناس كانوا يلعنونهم ويسبونهم، فجالسوهم على سبيل الإنكار
والرد عليهم فما زالت بهم المباسطة، وخفي المكر ودقيق الكفر حتى صبوا إليهم.
"([199])
وقال الإمام اللالكائي – رحمه الله – مبيناً خطر مناظـرة أهل البدع وما
تؤدي إليه:
" فما جنى على المسلمين جناية أعظم من مناظرة المبتدعة، ولم يكن لهم
قهر ولا ذل أعظم مما تركهم السلف على تلك الجملة يموتون من الغيظ، كمداً ودرداً، ولا
يجدون إلى إظهار بدعتهم سبيلاً.
حتى جاء المغرورون، ففتحوا لهم إليها طريقاً، وصاروا لهم إلى هلاك الإسـلام
دليلاً، حتى كثرت بينهم المشاجرة، وظهرت دعوتهم بالمناظرة، وطرقت أسماع من لم يكن عرفها
من الخاصة والعامة، حتى تقابلت الشبه في الحجج، وبلغوا من التدقيق في اللجج، فصاروا
أقراناً وأخداناً، وعلى المداهنة خلاناً وأضداداً، وفي الهجرة في الله أعواناً، يكفرونهم
في وجوههم عياناً، ويلعنونهم جهاراً وشتان ما بين المنزلتين، وهيهات ما بين المقامين"([200]).
وقال الشيـخ العلامة عبيد الله بن عبد السلام المباركفوري عن قول النبي
– صلى الله عليه و سلم -: " وإنه سيخرج في أمتي أقوام تتجارى بهم تلك الأهواء
كما يتجارى الكَلَب بصاحبه، لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله"([201])، قال:
" وفي هذا التشبيه فوائد منها: التحذير من مقاربـة تلك الأهواء ومقاربة
أصحابها، وبيان ذلك أن داء الكَلَب فيه ما يشبه العدوى، فإن أصل الكَلَب واقع في الكَلْب،
ثم إذا عضّ ذلك الكلب أحداً صار مثله ولم يقدر على الانفصال منه في الغالب إلا بالهلكة،
فكذلك المبتدع إذا أورد على أحد رأيه وإشكاله فقلّما يَسلَم من غائلته، بل إما أن يقع
معه في مذهبه ويصير من شيعته، وإما أن يثبت في قلبه شكاً يطمع في الانفصال عنه فلا
يقدر، هذا بخلاف المعاصي، فإن صاحبها لا يضارّه ولا يداخله فيها غالباً إلا مع طول
الصحبة والأُنس به، والاعتياد لحضور معصيته، وقد أتى في الآثار ما يدل على هذا المعنى،
فإن السلـف الصالح نهوا عن مجالستهم، ومكالمتهم، وكلام مكالمهم، وأغلظوا في ذلك
"([202]).
وسيـأتي تقرير ذلك – أيضاً – في كلام الآجري – رحمه الله – وغيره.
أما الكتابة من العلماء أو طلاب العلم المتمكنين في الرد على أهل البدع،
وبيان ضلالهم وزيف مذهبهم عند الحاجة إلى ذلك فهو من الأمور الواجبة بل من الجهاد في
سبيل الله تعالى .
قال ابن تيمية - رحمه الله - :
" ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة، أو العبارات
المخالفة للكتاب والسنة، فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين، حتى
قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال:
إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين هذا
أفضل.
فبيّن أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله، إذ
تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية
باتفاق المسلمين، ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين، وكان فساده أعظم
من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب، فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسـدوا القلوب وما
فيها من الدين إلا تبعاً، وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداءً ".([203])
وقال أيضاً :
(( الرادّ على أهل البدع مجاهد، حتى كان يحيى بن يحيى يقول: الذب عن السنّة
أفضل الجهاد )) ([204]) .
وقال شيخ الإسلام ابن القيم -رحمه الله-: ((وأنت إذا تأملت تأويلات القرامطة
والملاحدة والفلاسفة والرافضة والقدرية والجهمية، ومن سلك سبيل هؤلاء من المقلدين لهم
في الحكم والدليل، ترى الإخبار بمضمونها عن الله ورسوله لا يقصر عن الإخبار عنه بالأحاديث
الموضوعة المصنوعة، التي هي مما عملته أيدي الوضاعين وصاغته ألسنة الكذابين، فهؤلاء
اختلقوا عليه ألفاظاً وضعوها، وهؤلاء اختلقوا في كلامه معاني ابتدعوها، فيا محنة الكتاب
والسنة بين الفريقين، وما نازلة نزلت بالإسلام إلا من الطائفتين فهما عدوان للإسلام
كائدان، وعن الصراط المستقيم ناكبان وعن قصد السبيل جائران -إلى أن قال- فكشف عورات
هؤلاء، وبيان فضائحهم، وفساد قواعدهم، من أفضل الجهاد في سبيل الله وقد قال النبي
-صلّى الله عليه وسلّم- لحسان بن ثابت : ((إن روح القدس معك ما دمت تنافح عن رسوله))،
وقال: ((أهجهم أو هاجهم، وجبريل معك))، وقال: ((اللهم أيده بروح القدس ما دام ينافح
عن رسولك))، وقال عن هجائه لهم: ((والذي نفسي بيده لهو أشد فيهم من النبل))...)) إلخ([205]).
وقال ابن القيم - رحمه الله تعالى - في بيان أنواع الأقلام :
(( القلم الثاني عشر : القلم الجامع، وهو قلم الرد على المبطلين، ورفع سنّة
المحقين، وكشف أباطيل المبطلين على اختلاف أنواعها وأجناسها، وبيان تناقضهم، وتهافتهم،
وخروجهم عن الحق، ودخولهم في الباطل، وهذا القلم في الأقلام نظير الملوك في الأنام،
وأصحابه أهل الحجة الناصرون لما جاءت به الرسل، المحاربون لأعدائهم.
وهم الداعون إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، المجادلون لمـن خرج عن سبيله
بأنواع الجدال.
وأصحاب هذا القلم حرب لكل مبطل، وعدو لكل مخالف للرسل.
فهم في شأن وغيرهم من أصحاب الأقلام في شأن)) ([206]).
وقال واصفاً أهل السنّة :
(( فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، ومن ضال جاهل لا يعلم طريق رشده قد هدوه،
ومن مبتدع في دين الله بشهب الحق قد رموه جهاداً في الله، وابتغاء مرضاته ... ))
([207]).
وقال في نونيته([208]) :
(( هذا ونصر الدين فرض لازم لا للكفاية بل على الأعيان
بيد وإما باللسان فـــإن عجـز ت فبالتوجه والدعا بجنــان))
أما ما نقل عن الإمام أحمد من نهــي عن وضع الكتب فهو كثير، ويوجه ذلك ابن
القيم - رحمه الله - فيقول:
(( وإنما كره أحمد ذلك ومنع منه؛ لما فيه من الاشتغال به والإعراض عن القرآن
والسنّة والذب عنهما.
أما كتب إبطال الآراء والمذاهب المخالفة لهما فلا بأس بها، وقد تكون واجبة
ومستحبة ومباحة، بحسب اقتضاء الحال )) ([209]).
وكتب السلف في الرد على أهل الباطل والبدع كثيرة جداً، من ذلك ما كتبه الإمام
أحمد نفسه في رده على الجهمية والزنادقة، وقد ذكرنا بعضاً منها في الفصل الأول .
فالرد على أهل البدع والمخالفين من أصول الإسلام ، فقد رد الله في كتابه
على اليهود والنصارى والمشركين والصابئين وفرعون وهامان وغيرهم، وكذلك رسوله - صلى
الله عليه و سلم - .
وهذه الكتب التي تظهر الحق وتبطل الباطل، اغضت مضاجع أهل الأهواء والبدع،
فصرفوا عنها الشباب، وحذروا منها مريديهم؛ لأنها تكشف زيفهم، وتبين ضلالهم.
فالواجب على المسلم أن يحترم دينه وعقله، ولا يضعه تحت أقدام هؤلاء الحزبيين
السياسيين، يروحون به ويغدون حيث شاؤوا.
وليطلب الحق، وليدرس الأمور، فأهل السنّة أنصح الناس للناس.
والله أعلم .
(6) قول الإمام إسماعيل بن يحيى المزني.
( ت:264هـ )
قال - رحمه الله تعالى - في رسالته شرح السنَّة:
" والإمساك عن تكفير أهل القبلة، والبراءة منهم فيما أحدثوا، ما لم
يبتدعوا ضلالاً؛ فمن ابتدع منهم ضلالاً، كان على أهل القبلة خارجاً، ومن الدين مارقاً،
ويتقرب إلى الله - عز وجل - بالبراءة منه، ويهجر ويحتقر، وتجتنب غدّته، فهي أعدى من
غدة الجرب.
ثمّ قال:
هذه مقالات وأفعال اجتمع عليها الماضون الأوّلون من أئمة الهدى، وبتوفيق
الله اعتصم بها التابعون قدوةً ورضىً، وجانبوا التّكلف فيما كفوا، فسددوا بعون الله
ووفقوا، لم يرغبوا عن الاتباع فيقصّروا، ولم يجاوزوه تزيّداُ فيعتدوا.
فنحــن بالله واثقــون، وعليه متوكلــون، وإليه في اتبـاع آثارهم راغبـون
([210])".
(7،8) قول أبي زرعة وأبي حاتم الرازيــين.
( ت:264 هـ ) ( ت:277 هـ )
قال اللالكـائي – رحمه الله – في كتابه شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة([211]):
" أخبرنا محمد بن المظفر المقري، قال: حدثنا الحسن بن محمد بن حبش
المقري قال: حدثنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم قال:
" سألت أبي وأبا زرعة، عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين وما أدركا
عليه العلماء في جميع الأمصار وما يعتقدان في ذلك؟
فقالا: أدركنـا العلماء في جميع الأمصار – حجازاً وعراقاً وشاماً ويمناً
– فكان من مذهبهم:
ثم ذكرا عدداً من عقائد أهل السنة، ثم قال أبو محمد:
" وسمعت أبي وأبا زرعة: يأمران بهجران أهل الزيغ والبدع، يغلظان في
ذلك أشد التغليظ، وينكران وضع الكتب برأي في غير آثـار، وينهيان عن مجالسة أهل الكلام
والنظر في كتب المتكلمين، ويقولان لا يفلح صاحب كلام أبداً.
قال أبو محمد: وبه أقول أنا.
وقال أبو علي بن حبيش المقري: وبه أقول.
قـال شيخنا (ابن المظفر): وبه أقول.
وقال شيخنا –يعني المصنف – وبه نقول. "
قلت: وبه يقول كل صاحب سنة، حيث إنه إجماع السلف الصالح ومأخوذ من الكتاب
والسنّة، ومن لم يقل به ويعتقده فقد ضل السبيل وماذا بعد الحق إلا الضلال.
(9) قول الإمام أبي بكر محمد بن الحسين الآجري.
( ت:360 هـ )
قال – رحمه الله تعالى -:
" ينبغي لكل من تمسك بما رسمناه في كتابنا هذا، وهو كتـاب الشريعة،
أن يهجـر جميع أهل الأهواء من الخوارج، والقدرية، والمرجئة، والجهمية، وكل من ينسب
إلى المعتزلة، وجميع الروافض، وجميع النواصب، وكل من نسبه أئمـة المسلمين أنه مبتـدع
بدعة ضلالة، وصح عنه ذلك، فلا ينبغي أن يكلم ولا يسلم عليه، ولا يجالس، ولا يصلى خلفه،
ولا يزوج، ولا يتزوج إليه من عرفه، ولا يشاركه، ولا يعامله، ولا يناظره، ولا يجادله،
بل يُذله بالهوان له، وإذا لقيته في طريق أخذت في غيرها إن أمكنك.
فإن قال: فلم لا أناظره، وأجادله، وأرد عليه قوله؟
قيل له: لا يُؤمَن عليك أن تناظره، وتسمع منه كلاماً يفسد عليك قلبك، ويخدعك
بباطله الذي زيّن له الشيطان فتهلك أنت، إلا أن يضطرك الأمر إلى مناظرته، وإثبات الحجة
عليه، بحضرة سلطان أو ما أشبهه، لإثبات الحجة عليه، فأما لغير ذلك فلا.
وهذا الذي ذكرته لك، فقول من تقدم من أئمة المسلمين، وموافق لسنة رسول الله
– صلى الله عليه و سلم - "([212]).
قلت:
أشار - رحمه الله - أن كل من تمسك بما عليه أهل السنة والجماعة وهو الذي
دونه في كتابه؛ أن يهجر أهل الأهواء والبدع، الذي هو أصل من أصول السنة، فما من كتاب
من كتب السلف التي دونوها لبيان أصول السنّة إلا وذكر هذا الأصل العظيم الذي يؤدي إلى
الوقاية من خطر البدعة وأهلها.
ثم بيّن - رحمه الله - أن لهجر أهل البدع صوراً كثيرة، فمن ذلك ترك الكلام
معهم والسلام عليهم والجلوس إليهم ومناظرتهم ومجادلتهم، بل لا يُصلى خلفهم ولا يتزوج
منهم ولا يزوّجون، بل ويعاملهم بالشدّة والذل لهم.
أما عن الدخول والمناظرة معهم للرد عليهم فليس لأحد ذلك؛ لأنّه لا يأمن
أحد من أن يقع في نفسه من شبههم شيء فيهلك، ولا تجوز مناظرتهم إلا لإقامة الحجة عليهم
أمام سلطـــان أو غــير ذلــك، كمــا فعل الإمـام عبد العزيز الكناني وابن تيمية وغيرهما
من السلف.
ثم ختم كلامه -رحمه الله- بنقل الإجماع على ما سبق أن قرره من الهجر وغيره.
وقد سبق نقل أقوال بعض السلف في النهي عن مناظرة أهل البدع، وما تؤدي إليه
من المخاطر، وهذا بخلاف الرد عليهم وبيان ضلالهم فإنه واجب كم مر بيانه.
ويفصل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في حكم مناظرة أهل البدع، فيقول:
((وقد ينهون (أي السلف) عن المجادلة والمناظرة، إذا كان المناظر ضعيف العلم بالحجة
وجواب الشبهة، فيخاف عليه أن يفسده ذلك المُضلّ، كما يُنهى الضعيف في المقاتلة أن يقاتل
علجاً قوياً من علوج الكفار، فإن ذلك يضرّه ويضر المسلمين بلا منفعة.
وقد ينهى عنها إذا كان المناظر معانداً يَظهر له الحق فلا يقبله - وهو السوفسطائي-
فإن الأمم كلهم متفقون على أن المناظرة إذا انتهت إلى مقدمات معروفة بينة بنفسها ضرورية
وجحدها الخصم كان سوفسطائيا، ولم يؤمر بمناظرته بعد ذلك، بل إن كان فاسد العقل داووه،
وإن كان عاجزاً عن معرفة الحق - ولا مضرّة فيه- تركوه، وإن كان مستحقاً للعقاب عاقبوه
مع القدرة: إما بتعزير وإما بالقتل، وغالب الخلق لا ينقادون للحق إلا بالقهر.
والمقصود أنهم نهوا عن المناظرة لمن لا يقوم بواجبها، أو مع من لا يكون
في مناظرته مصلحة راجحة، أو فيها مفسدة راجحة، فهذه أمور عارضة تختلف باختلاف الأحوال.
وأما جنس المناظرة بالحق فقد تكون واجبة تارة ومستحبة أخرى، وفي الجملة
جنس المناظرة والمجادلة فيها محمود ومذموم، ومفسدة ومصلحة، وحق وباطل))([213]).
(10) قـول الإمام ابن بـطــــــــــــة.
( ت: 387 هـ )
قال الإمام أبو عبد الله عبيد الله بن بطة العكبري – رحمه الله -:
" ونحن الآن ذاكرون شرح السنة، ووصفها، وما هي في نفسها، وما الذي
إذا تمسك به العبد ودان الله به سُمِّيَ بها، واستحق الدخول في جملة أهلها، وما إن
خالفه أو شيئاً منه دخل في جملة من عبناه وذكرناه وحُذّر منه، من أهل البدع والزيـغ،
مما أجمع على شرحنا له أهل الإسلام وسائر الأمة مذ بعث الله نبيه - صلى الله عليه و
سلم - إلى وقتنا هذا … "
ومما ذكره في هذا الشرح:
" ولا تشاور أحداً من أهل البدع في دينك، ولا ترافقه في سفرك، وإن
أمكنك أن لا تقربه في جوارك.
ومن السنة مجانبة كل من اعتقد شيئاً مما ذكرناه ( أي: من البدع)، وهجرانه،
والمقت له، وهجران من والاه، ونصره، وذب عنه، وصاحبه، وإن كان الفاعل لذلك يظهر السنّة
" ([214]).
قلت:
رحم الله الإمام ابن بطة، فعن علم تكلم، وبحكمة نطق، فبعد أن بين أن هجر
أهل الأهواء والبدع ومقتهم من أصول السنة، نبّه على أن من ناصر أهل البدع ووالاهم وذب
عنهم، وصاحبهم، وإن كان يظهر السلفيّة، فإنه يلحق بهم، ويأخذ حكمهم، ويعامل معاملتهم
في الهجر وغيره.
وقـد بـين ذلك ووضـحه عـدد من الأئمـة – أيضاً -، ومستندهم في ذلك ما جاء
في حديث عائشة ـ رضي الله عنها –قالت: قـال رسول - صلى الله عليه و سلم-:" الأرواح
جنود مجنّدة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف "([215]).
قال ابن مسعود – رضي الله عنه -:
" إنما يماشي الرجل، ويصاحب من يحبه ومن هو مثله "([216]).
وقال أبو الدرداء -رضي الله عنه-:
" من فقه الرجل ممشاه ومدخله ومجلسه"([217]).
وعن معاذ بن معاذ قال: قلت ليحيى بن سعيد: يا أبا سعيد الرجل وإن كتم رأيه
لم يخف ذاك في ابنه ولا صديقه ولا جليسه([218]).
وقال قتادة: إنا والله ما رأينا الرجل يصاحب من الناس إلا مثله وشكله فصاحبوا
الصالحين من عباد الله لعلكم أن تكونوا معهم أو مثلهم([219]).
وعن عقبة بن علقمة قال:
" كنت عند أرطاة بن المنذر فقال بعض أهل المجلس: ما تقولون في الرجل
يجالس أهل السنّة ويخالطهم، فإذا ذكر أهل البدع قال: دعونا من ذكرهم لا تذكروهم، قال:
يقول أرطأة: هو منهم لا يلبّس عليكم أمره، قال: فأنكرت ذلك من قول أرطاة قال: فقدمت
على الأوزاعي، وكان كشّافاً لهذه الأشياء إذا بلغته فقال: صدق أرطأة والقول ما قال،
هذا يَنهى عن ذكرهم، ومتى يحذروا إذا لم يشد بذكرهم "([220]).
وقال الأوزاعي - رحمه الله -:
" من ستر علينا بدعته لم تَخْفَ علينا أُلفته "([221])
وقال محمد بن عبيد الغلابي:
" يتكاتم أهل الأهواء كل شيء إلا التآلف والصحبة " ([222])
وقال الإمام أحمد – رحمه الله -:
" إذا سلّم الرجل على المبتدع فهو يحبه "([223]).
وقال أبو داود السجستاني – رحمه الله -:
" قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: أرى رجلاً من أهـل البيت مع رجل
من أهل البدع، أترك كلامه؟ قال: لا، أو تُعْلِمه أن الذي رأيته معه صاحب بدعة، فإن
ترك كلامه وإلا فألحقه به، قال ابن مسعود: المرء بخدنه"([224]).
قال الشيخ حمود التويجري عن هذه الرواية وتطبيقها على أهل البدع كجماعة
التبليغ:
" وهذه الرواية عن الإمام أحمد ينبغي تطبيقها على الذين يمدحون التبليغيين
ويجادلون عنهم بالباطل، فمن كان منهم عالماً بأن التبليغيين من أهل البدع والضلالات
والجهالات، وهو مع هذا يمدحهم ويجادل عنهم؛ فإنّه يلحق بهم، ويعامل بما يعاملون به،
من البغض والهجر والتجنُّب، ومن كان جاهلاً بهم، فإنه ينبغي إعلامه بأنهم من أهل البدع
والضلالات والجهالات، فإن لم يترك مدحهم والمجادلة عنهم بعد العلم بهم، فإنه يُلحق
بهم ويُعامل بما يُعاملون به."([225])
وقال الفضيل بن عياض – رحمه الله -:
" الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكـر منها اختلف،
ولا يمكن أن يكون صاحب سنة يمالئ صاحب بدعة إلا من النفاق".
قال ابن بطة – معلقاً على قول الفضيل -:
" صدق الفضيل - رحمه الله – فإنا نرى ذلك عياناً " ([226]).
ولما قدم سفيان الثوري البصرةَ، جعل ينظر إلى أمر الربيع – يعني ابن صبيح
– وقدره عند الناس، سأل أي شيء مذهبه؟
قالوا: ما مذهبه إلا السنة.
قال: من بطانته؟.
قالوا: أهل القدر.
قال: هو قدري. " ([227]).
وقال الإمام البربهاري – رحمه الله - في شرح السنة ([228]):
" وإذا رأيت الرجل جالساً مع رجل من أهل الأهواء فحذّره وعرّفه، فإن
جلس معه بعد ما علم فاتقه؛ فإنه صاحب هوى. "
وقال العلامـة شيث بن إبراهيم القفطـي المعروف بابـن الحاج – رحمـه الله-
( ت: 598 هـ ):
" فبين سبحانه بقوله{ وقد نزل عليكم في الكتاب} ما كان أمرهم به من
قوله في السورة المكيّة{ فلا تقعد بعد الذكرى مع القـوم الظالمين} ثم بيّن في هذه السورة
المدنيّة أن مجالسة من هذه صفته لحوقٌ به في اعتقاده، وقد ذهب قوم من أئمة هذه الأمة
إلى هذا المذهب، وحكم بموجب هذه الآيات في مجالس أهل البدع على المعاشرة والمخالطة
منهم أحمد بن حنبل والأوزاعي وابن المبارك فإنهم قالوا في رجل شأنه مجالسة أهل البدع
قالوا: يُنهى عن مجالستهم، فإن انتهى وإلا ألحق بهم يعنون في الحكم.
قيل لهم: فإنه يقول: إني أجالسهم لأباينهم وأرد عليهم.
قالوا: ينهى عن مجالستهم فإن لم ينته ألحق بهم " ([229]).
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة – رحمه الله – فيمن يوالي الاتحادية وهي قاعدة
عامة في جميع أهل البدع:
" ويجب عقوبـة كل من انتسـب إليهم، أو ذب عنهم، أو أثنى عليهم أو عظم
كتبهم، أو عرف بمساندتهم ومعاونتهـم، أو كره الكلام فيهم، أو أخذ يعتذر لهم بأن هذا
الكلام لا يدرى ما هـو، أو من قال إنه صنف هذا الكتاب([230])، وأمثال هذه المعاذير،
التي لا يقولها إلا جاهل، أو منافق؛ بل تجب عقوبة كل من عرف حالهم، ولم يعاون على القيام
عليهم، فإن القيام على هؤلاء من أعظم الواجبات؛ لأنهم أفسدوا العقول والأديان، على
خلق من المشايخ والعلماء، والملوك والأمراء، وهم يسعون في الأرض فساداً، ويصدون عن
سبيل الله. " ([231])
وقد سئـل سماحـة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – في شرحه لكتاب
(( فضل الإسلام ))، ما نصّه: الذي يثني على أهل البدع ويمدحهم، هل يأخذ حكمهم؟
فأجاب – عفا الله عنه -: " نعم ما فيه شكٌّ، من أثنى عليهم ومـدحهم
هو داعٍ لهم، يدعو لهم، هذا من دعاتهم، نسأل الله العافيـة".
بل كان السلف الصالح -رضي الله عنهم ورحمهم- إذا رأوا الشاب في أول أمره
مع أهل السنة رجوه، وإن رأوه مع أهل البدع في ممشاه ومجلسه وصحبته أيسوا من خيره ولم
يرجوه.
قال أحمد بن حنبل: إذا رأيت الشاب أول ما ينشأ مع أهل السنة والجماعة فارجه،
وإذا رأيته مع أصحاب البدع فايئس منه؛ فإن الشاب على أول نشوئه([232]).
وقال عمرو بن قيس الملائي: إذا رأيت الشاب أول ما ينشأ مع أهل السنة والجماعة
فارجه، فإذا رأيته مع أهل البدع فايأس منه؛ فإن الشاب على أول نشوئه.
ويقول: إن الشاب لينشؤ فإن آثر أن يجالس أهل العلم كاد أن يسلم وإن مال
إلى غيرهم كاد أن يعطب([233]).
(11) قول الإمام ابن أبي زمنين.
( ت: 399 هـ )
قال الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الله الشهير بابن أبي زمنين –رحمه
الله-:
" ولم يـزل أهل السنة يعيبون أهل الأهواء المضلة، وينهون عـن مجالستهم،
ويخوفون فتنتهم، ويخبرون بخلاقهم، ولا يرون ذلك غيبـة لـهم، ولا طعناً عليهم.
" ([234]).
قلت: لقد مضى أهل السنة من الأولين ومن بعدهم من المتأخرين على طريقة واحدة
في التعامل مع أهل البدع، وذلك بعيبهم والتحذير منهم وهجرهم والنهي عن مجالستهم؛ خوفاً
على من خالطهم أو جالسهم من فتنتهم.
وكانوا يرون أن ذكر عيوبهم ومساوئهم ليس من باب الغيبة المحرمة، وقد استثنى
أهل العلم ستاً من الحالات التي تجوز فيها الغيبة كما قال الناظـم:
القـدح ليس بغيبـة في ستــــة متظلـم ومعـرف ومـحذّر
ومجاهر فسقاً ومستفتٍ ومـن طلب الإعانة في إزالة منكر
وقال الإمام أحمد -رحمه الله-:
(( لا غيبة لأصحاب البدع )) ([235]).
بل قد نقل شيخ الإسلام ابن تيميـة - رحمه الله - الاتفـاق على وجوب التحذير
من أهل البدع، وأن ذلك من الغيبة الجائزة، قال - رحمه الله -:
" وأما الشخص المعين فيذكر ما فيه من الشر في مواضع.
وذكر منها:
ومنها : أن يكون على وجه النصيحة للمسلمين في دينهـــم ودنيـاهم … وإذا
كان النصح واجباً في المصالح الدينية الخاصة والعامة مثل نقلة الحديث الذين يخلطون
أو يكذبون كما قال يحيى بن سعيد: سألت مالكاً والثوري والليث بن سعد أظنه والأوزاعي
عن الرجل يُتهم في الحديث ولا يحفظ فقالوا بَيّن أمره، وقال بعضهم لأحمد بن حنبل: أنه
يثقل علي أن أقول فلان كذا، وفلان كذا فقال إذا سكت أنت وسكت أنا فمتى يعرف الجاهل
الصحيح من السقيم.
ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة أو العبادات المخالفة
للكتاب والسنّة فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين، حتى قيل لأحمد
بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع، فقال: إذا قام وصلى
واعتكف فإنما هو لنفسه وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين هذا أفضل.
فبيّن أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله، إذ
تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية
باتفاق المسلمين.
ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين، وكان فساده أعظم من فساد
استيلاء العدو من أهل الحرب، فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسـدوا القلوب وما فيها من
الدين إلا تبعاً، وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداءً".([236])
(12) قول أبي منصور معمر بن أحمد.
( ت: 418 هـ )
قـال أبو القاسم الأصبهاني – رحمه الله – في كتابه " الحجة في بيان
المحجة "([237]):
أخبرنـا أحمد بن عبد الغفار بن أشتة([238])، أنا أبو منصور معمر بن أحمد([239])
قال:
" ولما رأيت غربة السنة، وكثرة الحوادث، واتباع الأهواء، أحببت أن
أوصي أصحابي وسائر المسلمين بوصية من السنة وموعظة من الحكمة وأجمع ما كان عليه أهل
الحديث والأثر، وأهل المعرفة والتصوف من السلـف المتقدمين والبقية من المتأخرين.
فأقول - وبالله التوفيق -: "
فذكر من جملة ذلك:
" ثم من السنة ترك الرأي والقياس في الدين وترك الجدال والخصومات وترك
مفاتحة القدرية وأصحاب الكلام، وترك النظر في كتب الكلام وكتب النجوم، فهذه السنة التي
اجتمعت عليها الأئمة وهي مأخوذة عن رسول الله -صلى الله عليه و سلم - بأمر الله تبارك
وتعالى."
إلى أن قال:
"فأخذ رسول الله -صلى الله عليه و سلم - السنة عن الله عز وجل، وأخذ
الصحابة عن رسول الله - صلى الله عليه و سلم - وأخذ التابعون عن الصحابة الذين أشار
إليهم رسول الله - صلى الله عليه و سلم - بالإقتداء بهم([240])، ثمّ أشار الصحابة إلى
التابعين بعدهم مثل:
سعيد بن المسيّـب، وعلقمة بن وقاص، والأسود، والقاسم، وسالم، وعطاء، ومجاهد،
وطاووس، وقتادة، والشعبي، وعمر بن عبد العزيز، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين.
ثمّ من بعدهم مثل: أيوب السختياني، ويونس بن عبيد، وسليمان التيمي، وابن
عون.
ثمّ سفيان الثـوري، ومالك بن أنس، والزهري، والأوزاعي، وشعبة.
ثمّ يحيى بن سعيد، وحماد بن زيد، وحماد بن سلمة، وعبد الله بن المبارك،
والفضيل بن عياض، وسفيان بن عيينة.
ثمّ مثل: أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، وعبد الرحمن بن مهـدي، ووكيع
بن الجراح، وابن نمير، وأبي نعيم، والحسن بن الربيع.
ثمّ من بعدهم مثل: أبي عبد الله أحمد بن حنبل، وإسحاق ابن راهويه، وأبي
مسعود الرازي، وأبي حاتم الرازي.
ونظرائهم مثل من كان من أهل الشام، والحجاز، ومصر، وخراسان، وأصبهان، والمدينة،
مثل: محمد بن عاصم، وأسيد بن عاصم، وعبد الله بن محمد بن النعمان، ومحمد بن النعمان،
والنعمان بن عبد السلام رحمـــة الله عليــهم أجمعين.
ثمّ من لقيناهم وكتبنا عنهم العلم والحديث والسنة مثل: أبي إسحاق إبراهيم
بن محمد بن حمزة، وأبي القاسم الطبراني، وأبي محمد عبد الله بن محمد بن جعفر أبي الشيخ
ومن كان في عصرهم من أهل الحديث.
ثمّ بقية الوقت أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن مندة الحافظ
رحمــه الله.
فكل هؤلاء سرج الدين وأئمة السنة وأولوا الأمر من العلماء فقد اجتمعوا على
جملة هذا الفصل من السنة، وجعلوها في كتب السنة ويشهد لهذا الفصل المجموع من السنة،كتب
الأئمة فأول ذلك: كتاب السنة عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، وكتاب السنة لأبي مسعود،
وأبي زرعة، وأبي حاتم، وكتاب السنة لعبد الله بن محمد بن النعمان، وكتاب السنة لأبي
عبد الله محمد بن يوسف البنا الصوفي رحمهم الله أجمعين.
ثمّ كتب السنن للآخرين مثل أبي أحمد العسال، وأبي إسحاق إبراهيم ابن حمزة،
والطبراني، وأبي الشيخ وغيرهم ممن ألفوا كتب السنة فاجتمع هؤلاء كلهم على إثبات هذا
الفصل من السنة وهجران أهل البدعة والضلالة والإنكار على أصحاب الكـلام والقياس والجدال
وأن السنة هي إتباع الأثر والحديث والسلامة والتسليم … إلخ "
(13) قول الإمام أبي عثمان الصابوني.
(ت: 449 هـ )
قال الإمام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمـن الصابوني – رحمه الله - حاكياً
مذهب السلف أهل الحديث:
" واتفقـوا مع ذلك على القول بقهر أهل البدع، وإذلالهم، وإخزائهم،
وإبعادهم، وإقصائهم، والتباعد منهم، ومن مصاحبتهم، ومعاشرتهم، والتقرب إلى الله عز
وجل بمجانبتهم ومهاجرتهم."([241])
وقال أيضاً: " ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه،
ولا يحبونهم، ولا يصحبونهم، ولا يسمعون كلامهم، ولا يجالسونهم، ولا يجادلونهم في الدين،
ولا يناظرونهم، ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرت بالآذان وقرت في القلوب
ضرّت وجـرّت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما جرّت، وفيه أنزل الله عز وجل قوله:
{وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره}
"([242])
فهذا الإمام الصابوني - رحمه الله - قد نقل الاتفاق على القول بقهر أهل
البدع وإذلالهم وإخزائهم والتباعد منهم وبغضهم وغير ذلك من أنواع الهجر والقهر والإذلال،
والتقرب إلى الله - عز وجل - بهذا التعامل.
فهل كان السلف الصالح يوادعون أهل البدع ويلينون جانبهم لهم كلا، ثم كلا.
بل قد وصل الأمر ببعض المنتسبين إلى السنّة إلى تقديس أئمة البدع والضلال
والموالاة والمعادات من أجلهم، مما يدل دلالة واضحة على بُعْدِهم عن السنّة وأهلها.
قال عبد الله بن داود سنديلة: من علامات الحق البغض لمن يدين بالهوى، ومن
أحب الحق فقد وجب عليه البغض لأصحاب الهوى، يعني: أهل البدعة([243]).
قال رجل لأيوب بن أبي تميمة السختياني: يا أبا بكر أسألك عن كلمة. قال:
فرأيته يشير بيده ويقول: ولا نصف كلمة ولا نصف كلمة.([244])
وعن ابن سيرين أنّه كان إذا سمع كلمة من صاحب بدعة وضع إصبعيه في أذنيه
ثم قال: لا يحل لي أن أكلمه حتى يقوم من مجلسه.([245])
وقال معمر: كان ابن طاوس جالساً فجاء رجل من المعتزلة فجعل يتكلم، قال فأدخل
ابن طاوس إصبعيه في أذنيه، قال: وقال لابنه: أي بني أدخل أصبعيك في أذنيك واشدد، ولا
تسمع من كلامه شيئاً([246]).
وقال يحيى بن أبي كثير: إذا لقيت صاحب بدعة في طريق فخذ في طريق آخر.([247])
(14) قول القاضي أبي يعلى.
( ت: 458هـ )
قال -رحمه الله تعالى- في كتابه الأمر بالعروف والنهي عن المنكر([248])،
بعد أن تكلم عن هجر أهل المعاصي والبدع:
((ولأنّه إجماع الصحابة، روى أبو بكر الخلال بإسناده عن عطاء أن رجلاً باع
ذهباً أو ورقاً بأكثر من وزنها، فقال أبـو الدرداء: سمعت رسول الله -صلّى الله عليه
وسلّم- ينهى عن مثل هذا إلا مثلاً بمثل فقال الرجل: ما أرى به بأساً فقال أبو الدرداء:
من يعذرني من فلان أحدثه عن رسول الله ويخبرني عن رأيه، لا ساكنتك بأرض أنت ساكنها
أبداً.
وروى بإسناده عن سعيد بن جبير: أن قريباً لعبدالله بن المغفل خذف فنهاه
وقال: إنّ رسول الله نهى عن الخذف؛ لأنّها لا تصيد صيداً ولا تنكئ عدواً ولكنها تكسر
السنّ وتفقأ العين، قال: فعاد، فقال: أحدّثك عن رسول الله ثم تخذف لا أكلمك أبداً
... ثم ذكر عدداً من الآثار عن الصحابة في ذلك ثم قال:
ولأنه إجماع التابعين، فروى أبو بكر بإسناده عن أيوب قال: قال لي سعيد بن
جبير: أراك مع طلق -يعني ابن حبيب؟ قال: قلت بلى. قال: لا تجالسه فإنه مرجئ.
وبإسناده عن محل الضبي قال: تكلم رجل عند إبراهيم في الإرجاء، فقال له إبراهيم:
إذا قمت من عندنا فلا تعد إلينا)).
(15) قول الإمام ابن عبد البر.
( ت: 463 هـ )
قال – رحمه الله -:
" أجمع العلماء على أنه لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، إلا
أن يكون يخاف من مكالمته وصلته ما يفسد عليه دينه، أو يولد به على نفسه مضرة في دينه
أو دنياه، فإن كان كذلك فقد رخّص له مجانبته، ورُبّ صرمٍ جميلٍ خيرٌ من مخالطة مؤذية."
([249])
قلت:
لقد جاءت الأحاديث الصحيحة في الوعيد والنهي عن هجر المسلم أخاه فوق ثلاث
ليال، كما في الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه و سلم - قال: " لا يحل لمسلم أن
يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام "
([250]).
وهذا الهجر المذكور في الحديث هو الذي يكون عن غضب لأمر جائز لا تعلّق له
بالدين.
أما هجر أهل البدع فهو غير داخل في هذا الحديث، وذلك للنصوص الواردة في
هجر أهل البدع والمعاصي وللإجماع على هجر أهل البدع على التأبيد.
قال الإمام البغوي - رحمه الله -:
" والنهي عن الهجران فوق الثلاث فيما يقع بين الرجلين من التقصير في
حقوق الصحبة والعشرة، دون ما كان ذلك في حق الدين، فإن هجرة أهل الأهواء والبدع دائمة
إلى أن يتوبوا "([251])
وقال العظيم آبادي صاحب عون المعبود:
" وهذا فيما يكون بين المسلمين من عتب وموجدة أو تقصير يقع في حقوق
العشرة والصحبة دون ما كان من ذلك في جانب الدين، فإن هجرة أهل الأهواء والبدع واجبة
على مر الأوقات ما لم يظهر منه التوبة والرجوع"([252])
وسيـأتي بيـان ذلك مـن كـلام أبـي العبـاس القـرطـبي صـاحـب المفهم -رحمه
الله -.
(16) قول أبي المظفر السّمعاني.
( ت: 489 هـ )
قال في كتابه " الانتصار لأهل الحديث "([253]):
" واعلم أنك متى تدبرت سيرة الصحابة، ومن بعدهم من السلف الصالح، وجدتهم
ينهون عن جدال أهل البدع بأبلغ النهي، ولا يرون رد كلامهم بدلائل العقل، وإنما كانوا
إذا سمعوا بواحد من أهل البدعة أظهروا التّبري منه ونهوا الناس عن مجالسته ومحاورته
والكلام معه وربما نهوا عن النظر إليه.
وقد قالوا: إذا رأيت مبتدعاً في طريق فخذ في طريق آخر.
ولقد ظهرت هذه الأهـواء الأربع التي هي رأس الأهواء، أعني: القدر، والإرجاء،
ورأي الحرورية، والرافضة في آخر زمن الصحابة.
فكان إذا بلغهم أمرهم أمروا بما ذكرنا، ولم يبلغنا عن أحد منهم أنه جادلهم
بدلائل العقل، أو أمر بذلك، وقد كانوا إلى عهد رسول الله – صلى الله عليه و سلم - أقرب.
وقد شاهدوا الوحي والتنـزيل وعدّلهم الله في القرآن وشهد لهم بالصدق وشهد
لهم النبي – صلى الله عليه و سلم - بالخيريّة في الدين.
وكانت طاعتهم أجل، وقلوبهم أسلم، وصدورهم أطهر، وعلمهم أوفر، وكانوا من
الهوى والبدع أبعد.
ولو كان طريق الرد على المبتدعة هو الكلام ودلائل العقل والجدال معهم لاشتغلوا
به، وأمروا بذلك وندبوا إليه، وإنما ظهرت المجادلات في الدين والخصومات بعد مضي قرن
التابعين ومن يليهم حين ظهر الكذب وفشت شهادات الزور وشاع الجهل واندرس أمر السنة بعض
الاندراس، وأتى على الناس زمان حذّر منه النبي – صلى الله عليه و سلم - والصحابة من
بعده."
ثم ذكر عدداً من الآثار عن السلف في معاملة أهل البدع وهجرهم والتبري منهم،
إلى أن قال: " فهذا الذي نقلناه طريقة السلف وما كانوا عليه. ".
(17) قول الإمام البغــــــــــــوي.
( ت: 516 هـ )
قال الإمام أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي – رحمه الله -:
" وفيه دليل ( أي حديث كعب بن مالك ) على أن هجران أهل البدع على التأبيد،
وكان رسول صلى الله عليه و سلم خاف على كعب وأصحابه النفاق حين تخلفوا عن الخروج معه
فأمر بهجرانهم إلى أن أنزل الله توبتهم، وعرف رسول الله صلى الله عليه و سلم براءتهم،
وقد مضت الصحابة والتّابعون وأتباعهم وعلماء السنة على هذا مجمعين متفقين على معاداة
أهل البدعة ومهاجرتهم. " ([254])
(18) قول موفق الدين ابن قدامة.
( ت: 620 هـ )
قال العلامة ابن مفلح في كتابه " الآداب الشرعية "([255]):
" وذكر الشيخ موفق الدين – رحمه الله – في المنع من النظر في كتب المبتدعة،
قال: كان السلف ينهون عن مجالسة أهل البدع، والنظر في كتبهم والاستماع لكلامهم.
"
إلى أن قال:
" وإذا كان أصحاب النبي ومن اتبع سنتهم في جميع الأمصار والأعصار متفقين
على وجوب اتباع الكتاب والسنة وترك علم الكلام، وتبديع أهله، وهجرانهم، والخبر بـزندقتهم
وبـدعتهم، فيجب القول ببطلانه وأن لا يلتفت إليه ملتفت ولا يغتر به أحد. "
(19) قول أبي العباس القرطبي.
( ت: 656 هـ )
قال أبو العباس أحمد بن عمر القرطبي – بعد أن ذكر تحريم الهجر فوق ثلاث
-:
" وهذا الهجران الذي ذكرناه هو الذي يكون عن غضـب لأمر جائز لا تعلق
له بالدين.
فأما الهجران لأجل المعاصي والبدعة فواجب استصحابه إلى أن يتوب من ذلك،
ولا يختلف في هذا. "([256])
(20) قول شيخ الإسلام ابن تيمية.
( ت: 728 هـ )
قال رحمه الله:
" صح عنه أنه هجر كعب بن مالك، وصاحبيه -y - لما تخلفوا عن
غزوة تبوك وظهرت معصيتهم وخيف عليهم النفاق فهجرهم، وأمر المسلمين بهجرهم حتى أمرهم
باعتزال أزواجهم بغير طلاق خمسين ليلة، إلى أن نزلت توبتهم من السماء.
وكذلك أمر عمر رضي الله عنه المسلمين بهجر صبيغ بن عسل التميمي، لما رآه
من الذين يتبعون ما تشابه من الكتاب، إلى أن مضى عليه حول، وتبين صدقه في التوبة، فأمر
المسلمين بمراجعته.
فبهذا أو نحوه رأى المسلمون أن يهجروا من ظهرت عليه علامات الزيغ من المظهرين
للبدع الداعين إليها والمظهرين للكبائر، فأما من كان مستتراً بمعصيته أو مسراً لبدعة
غير مكفرة، فإن هذا لا يهجر، وإنما يهجر الداعي إلى البدعة إذ الهجر نوع من العقوبة
وإنما يعاقب من أظهر المعصية قولاً وعملاً
وأما من أظهر لنا خيراً فإنّا نقبل علانيته، ونكل سريرته إلى الله تعالى،
فإن غايته أن يكون بمنـزلة المنافقين الذين كان النبي - صلى الله عليه و سلم - يقبل
علانيتهم، ويكل سرائرهم إلى الله، لما جاءوا إليه عام تبوك يحلفون ويعتذرون.
ولهذا كان الإمام أحمد وأكثر من قبله وبعده من الأئمة كمالك وغيره لا يقبلون
رواية الداعي إلى بدعة ولا يجالسونه بخلاف الساكت، وقد أخرج أصحاب الصحيح عن جماعات
ممن رمي ببدعة من الساكتين، ولم يخرجوا عن الدعاة إلى البدع. " ([257])
وقال - رحمه الله -:
" ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة، أو العبارات
المخالفة للكتاب والسنة، فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين، حتى
قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال:
إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين هذا
أفضل.
فبيّن أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله، إذ
تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية
باتفاق المسلمين، ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين، وكان فساده أعظم
من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب، فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسـدوا القلوب وما
فيها من الدين إلا تبعاً، وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداءً ".([258])
وقال - أيضاً -:
" ومن كان مبتدعاً ظاهر البدعة، وجب الإنكار عليه، ومن الإنكار المشروع
امتناع أهل الدين من الصلاة عليه لينـزجر من يتشبـه بطريقته، ويدعو إليه، وقد أمر بمثـل
هذا مالك بن أنس، وأحمـد بن حنبل، وغيرهمـا من الأئمة، والله أعلم. " ([259])
وقـال - بعد أن ذكر أنّ المعصية إذا كانت ظاهرة كانت عقوبتها ظاهرة -:
" ولهذا لم يكن للمعلن بالبدع والفجور غيبة، كما روي ذلك عن الحسن
البصري وغيره؛ لأنّه لما أعلن ذلك استحق عقوبة المسلمين له، وأدنى ذلك أن يذم عليه
لينـزجر ويكف الناس عنه وعن مخالطته، ولو لم يذم ويذكر بما فيه من الفجور والمعصية
أو البدعة لاغترّ به الناس، وربما حمل بعضهم أن يرتكب ما هو عليه، ويزداد أيضاً هو
جرأةً وفجوراً ومعاصي، فإذا ذكر بما فيه انكفّ وانكفّ غيره عن ذلك وعن صحبته ومخالطته،
قال الحسن البصري: أترغبون عن ذكر الفاجر؟! أذكروه بما فيه كي يحذره الناس، وقد روي
مرفوعاً، و (( الفجور )) اسم جامع لكل متجاهر بمعصية أو كلام قبيح يدل السامع له على
فجور قلب قائله.
ولهذا كان مستحقاً للهجر إذا أعلن بدعة أو معصية أو فجوراً أو مخالطة لمن
هذا حاله بحيث لا يبالي بطعن الناس فإن هجره نوع تعزير له، فإذا أعلن السيئات أعلن
هجره، وإذا أسر أُسر هجره، إذ الهجرة هي الهجرة على السيئات، وهجرة السيئات هجرة ما
نهى الله عنه، كما قال تعالى:
{ والرجز فاهجر}
وقال تعالى:
{ وقد نزّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها
فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنّكم إذاً مثلهم } )) ([260]).
وقال -رحمه الله-: ((والكلام الذي ذمّوه (أي السلف) نوعان: أحدهما أن يكون
في نفسه باطلاً وكذباً، وكل ما خالف الكتاب والسنة فهو باطل وكذب، فإن أصدق الكلام
كلام الله.
والثاني: أن يكون فيه مفسدة، مثلما يوجد في كلام كثير منهم: من النهي عن
مجالسة أهل البدع، ومناظرتهم، ومخاطبتهم، والأمر بهجرانهم. وهذا لأن ذلك قد يكون أنفع
للمسلمين من مخاطبتهم، فإن الحق إذا كان ظاهراً قد عرفه المسلمون، وأراد بعض المبتدعة
أن يدعو إلى بدعته، فإنه يجب منعه من ذلك، فإذا هُجر وعُزِّر، كما فعل أمير المؤمنين
عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بصبيغ بن عسل التميمي، وكما كان المسلمون يفعلونه، أو
قُتل كما قَتل المسلمون الجعد بن درهم وغيلان القدري وغيرهما، كان ذلك هو المصلحة،
بخلاف ما إذا تُرك داعياً، وهو لا يقبل الحق: إما لهواه، وإما لفساد إدراكه، فإنه ليس
في مخاطبته إلا مفسدة وضرر عليه وعلى المسلمين))([261]).
(21) قول شيخ الإسلام ابن القيم.
( ت: 751 هـ)
قال شيخ الإسلام محمد بن أبي بكر بن القيم -رحمه الله- مبيناً تاريخ نشأة
الفرق:
(( لما أظلمت الأرض وبعد عهد أهلها بنور الوحي، وتفرقوا في الباطل فرقاً
وأحزاباً، لا يجمعهم جامع، ولا يحصيهم إلا الذي خلقهم، فإنِّهم فقدوا نور النبوّة،
ورجعوا إلى مجرد العقول ...، فأطلع الله شمس الرسالة في تلك الظلم سراجاً منيراً وأنعم
بها على أهل الأرض في عقولهم وقلوبهم ومعاشهم ومعادهم نعمة لا يستطيعون لها شكوراً
فأبصروا بنور الوحي ما لم يكونوا بعقولهم يبصرونه ورأوا في ضوء الرسالة ما لم يكونوا
بآرائهم يرونه...، فمضى الرعيل الأول في ضوء ذلك النّور، لم تطفئه عواصف الأهواء، ولم
تلتبس به ظلم الآراء، وأوصوا من بعدهم أن لا يفارقوا النّور الذي اقتبسوه منهم، وأن
لا يخرجوا عن طريقهم، فلما كان في أواخر عصرهم حدثت الشيعة والخوارج والقدريّة والمرجئة،
فبعدوا عن النور الذي كان عليه أوائل الأئمَّة، ومع هذا فلم يفارقوه بالكليَّة، بل
كانوا للنصوص معظمين، وبها مستدلين، ولها على العقول والآراء مقدّمين، ولم يدّع أحدٌ
منهم أن عنده عقليات تعارض النصوص، وإنّما أتوا من سوء الفهم فيها، والاستبداد بما
ظهر لهم منها، دون من قبلهم، ورأوا أنَّهم إن اقتفوا أثرهم كانوا مقلدين لهم، فصاح
بهم من أدركهم من الصحابة وكبار التابعين من كل قطر، ورموهم بالعظائم، وتبرّأوا منهم،
وحذّروا من سبيلهم أشدّ التحذير، ولا يرون السلام عليهم ولا مجالستهم، وكلامهم فيهم
معروف في كتب السنّة، وهو أكثر من أن يذكر ها هنا ... )) ([262]).
وقال: ((فكل بدعة مضلّة في الدين أساسها القول على الله بلا علم.
ولهذا اشتدّ نكير السلف والأئمة لها، وصاجوا بأهلها من أقطار الأرض، وحذّروا
فتنتهم أشدّ التحذير، وبالغوا في ذلك ما لم يبالغوا مثله في إنكار الفواحش والظلم والعدوان؛
إذ مضرّة البدع وهدمها للدين ومنافاتها له أشد))([263]).
(22) قول العلامة محمد بن مفلح المقدسي الحنبلي.
( ت: 763 هـ)
قال ابن مفلح في كتابه " الآداب الشرعية "([264]):
" قال القاضي: وروى الخلال عن ابن مسعود أنه رأى رجلا يضحك في جنازة.
فقال: أتضحك مع الجنازة؟ لا أكلمك أبداً … وبإسناده عن مجاهد قلت لابن عباس: إن أتيتك
برجل يتكلم في القدر؟ فقال: لو أتيتني به لأوجعت رأسك، ثم قال: لا تكلمهم ولا تجالسهم.
وقـال سعيد بن جبير لأيوب: لا تجالس طلق بن حبيب فإنه مرجئٌ.
وقال إبراهيم لرجل تكلم عنده في الإرجاء: إذا قمت من عندنا فلا تعد إلينا.
وقال محمد بن كعب القرظي: لا تجالسوا أصحاب القدر ولا تماروهم.
وكان حماد بن سلمة إذا جلس يقول: من كان قدرياً فليقم.
وعن طاووس، وأيوب، وسليمان التيمي، وأبي السوار، ويونس بن عبيد معنى ذلك.
قال القاضي: هو إجماع الصحابة والتابعين ".
(23) قول العلامة أبي إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي.
( ت: 790 هـ )
قال -رحمه الله تعالى- في بيان الأوجه على أن ذم البدع عامٌ لا يخص محدثة
دون غيرها:
(( والثالث: إجماع السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن يليهم على ذمها
كذلك، وتقبيحها والهروب عنها، وعمن اتسم بشيء منها، ولم يقع منهم في ذلك توقف ولا مثنويّة،
فهو - بحسب الاستقراء - إجماع ثابت، فدل على أن كل بدعة ليست بحق، بل هي من الباطل
)) ([265]).
(24) قول شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب.
( ت: 1206 هـ )
قال – رحمه الله تعالى – في رسالته إلى أهل القصيم:
" أُشهد الله ومن حضر من الملائكة وأُشهدكم، أني أعتقد ما اعتقدته
الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة. "
ثم ذكر مجمل عقيدة أهل السنة والجماعة ومن ذلك:
(( وأرى هجر أهل البدع ومباينتهم حتى يتوبوا، وأحكم عليهم بالظاهر، وأكل
سرائرهم إلى الله، وأعتقـد أنّ كل محدثة في الدين بدعة.))([266])
(25) قول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ
( ت: 1293 هـ )
قال رحمه الله تعالى – ضمن تحذيره من بعض الضالين من أهل البـدع مـن جهـة
عمان،كانوا قد كتبوا أوراقاً للتلبيس على عوام المسلمين :
(( ومن السنن المأثورة عن سلف الأمة وأئمتها وعن إمام السنة أبي عبد الله
أحمد بن محمد بن حنبل - قدس الله روحه - التشديد في هجرهم وإهمالهم، وترك جدالهم واطّراح
كلامهم، والتباعد عنهم حسب الإمكان، والتقرب إلى الله بمقتهم وذمهم وعيبهم ))
([267])
(26،27،28) قول الشيخ إبراهيم بن عبداللطيف آل الشيخ والشيخ عبدالله بن
عبداللطيف آل الشيخ والشيخ سليمان بن سحمان النجدي.
( ت: 1329-1339-1349 هـ )
قالوا -رحمهم الله تعالى- في جواب لهم: ((وأما ما ذكرته من استدلال المخالف
بقوله -صلّى الله عليه وسلّم- :((من صلى صلاتنا)) وأشباه هذه الأحاديث، فهذا استدلال
جاهل بنصوص الكتاب والسنة، لا يدري ولا يدري أنه لا يدري، فإن هذا فرضه ومحلّه في أهل
الأهواء من هذه الأمة ومن لا تخرجه بدعته من الإسلام، كالخوارج ونحوهم، فهؤلاء لا يكفرون؛
لأن أصل الإيمان الثابت لا يحكم بزواله إلا بحصول مناف لحقيقته، مناقض لأصله، والعمدة
استصحاب الأصل وجوداً وعدماً، لكنهم يُبَدّعون ويضللون، ويجب هجرهم، وتضليلهم، والتحذير
عن مجالستهم ومجامعتهم، كما هو طريقة السلف في هذا الصنف))([268]).
وقال الشيخ سليمان بن سحمان - رحمه الله تعالى - في كتابه ((كشف الشبهتين
))([269]):
(( واعلم رحمك الله أن كلامه وما يأتي من أمثاله من السلف في معاداة أهل
البدع والضلالة ضلالة لا تخرج من الملّة، لكنهم شددوا في ذلك وحذّروا منه لأمرين:
الأول: غلظ البدعة في الدين في نفسها، فهي عندهم أجلّ من الكبائر ويعاملون
أهلها بأغلظ مما يعاملون أهل الكبائر كما تجد في قلوب النّاس اليوم أن الرافضي عندهم
ولو كان عالماً عابداً أبغض وأشدّ ذنباً من السنيّ المجاهر بالكبائر.
والأمر الثاني: أنّ البدعة تجر إلى الردّة الصريحة كما وجد في كثير من أهل
البدع )).
ثمّ ذكر عدداً من أقوال أهل العلم ومواقفهم في معاملة أهل البدع من الهجر
والتحذير والمباينة.
ثمّ قال:
(( ولو ذهبنا نذكر أقوال العلماء لطال الكلام والمقصود التنبيه على أنّ
هذا هدي رسول الله - صلى الله عليه و سلم -، وهدي أصحابه والتابعين لهم بإحسان هجر
أهل المعاصي والبدع، ودرج على ذلك أفاضل العلماء من الأئمة الأعلام فمن أخذ بهديهم
وسار بسيرهم، فقد سار على الصراط المستقيم)).
(29) قول الشيخ محمد بن عبداللطيف آل الشيخ
(ت:1367هـ)
قال - رحمه الله تعالى- بعد نقله لكلام لشيخ الإسلام في الهجر ومراعاة المصلحة
فيه:
((فانظر: أيها المنصف بعين الإنصاف، واحذر التعصب والاعتساف إلى ما قاله
شيخ الإسلام: من أن في هجرهم عزّاً للدين، وهذا إذا كانوا مسلمين، ولكنهم أصحاب معاص
واقتراف لبعض الأوزار، فيجب هجرهم واعتزالهم حتى يقلعوا، أما المشرك والمبتدع: فلا
نزاع في هجرهما ولا خلاف فيه، إلا عند من قلّ حظّه ونصيبه من العلم الموروث عن صفوة
الرسل - صلوات الله وسلامه عليه- ))([270]).
(30) قول الشيخ حمود بن عبد الله التويجري.
( ت: 1413 هـ )
قال - رحمه الله تعالى - في كتابه (( القول البليغ في التحذير من جماعة
التبليغ )) ([271]):
(( وقد كان السلف الصالح يحذرون من أهل البـدع، ويبالغون في التحذير منهم،
وينهون عن مجالستهم ومصاحبتهم وسماع كلامهم، ويأمرون بمجانبتهم ومعاداتهم وبغضهم وهجرهم.
ثم نقل قول الإمام الصابوني الذي ذكرناه عنه سابقاً وذكر بعض الآثار منها:
عن الأوزاعي أنه قال:
(( كانت أسلافكم تشتد عليهم ألسنتهم، وتشمئز منهم قلوبهم، ويحذرون الناس
بدعتهم ))
إلى أن قال:
(( وكلام السلف ومن بعدهم من أئمة الخلف في التحذير من أهل البدع والأمر
بمجانبتهم ومجانبة من يميل إليهم كثير جداً )).
قلت:
انظر أخي في الله هل ترى في أقوال هؤلاء الأئمة أثرًا للمنهج المبتدع المحدث
وهو ما يسمى ( بمنهج الموازنات )([272])؟ وهل ألزموا الناس بذكر حسنات أهـل البدع؟
ما ذكروا – رحمهم الله – إلا المعاداة والإذلال والإخزاء والإبعاد والهجران،
بل لم يزل أهل السنة يعيبون أهل البدع كما سبق عن الإمام ابن أبي زمنين.
فإن المبتدع إذا ذكرتَ محاسنه، فقد زخرفتَ وبهرجتَ مذهبَه، بل ودعوتَ إلى
مذهبِه.
فاقتفِ آثار السلف الصالح، إذ منهجهم أسلم وأعلم وأحكم.
جواب لشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله –
يبيّن فيه أنواع الهجر وضوابطه
فقد سئل - رحمه الله -:
" عمن يجب أو يجوز بغضه أو هجره، أوكلاهما لله – تعالى –؟ وماذا يشترط
على الذي يبغضه أو يهجره لله – تعالى – من الشروط؟ وهل يدخل ترك السلام في الهجران
أم لا؟ وإذا بدأ المهجور الهاجر بالسلام هل يجب الردّ عليه أم لا؟ وهل يستمر البغض
والهجران لله – عز وجل - حتى يتحقق زوال الصفة المذكورة التي أبغضه وهجـره عليها؟
أم يكون لذلك مدة معلومة؟ فإن كان لها مدة معلومة، فمـا حدّها؟ أفتونا مأجورين."
فأجاب – رحمه الله -:
" الهجر الشرعي نوعان:
أحدهما: بمعنى الترك للمنكرات.
والثاني: بمعنى العقوبة عليها.
فالأول: هو المذكور في قوله – تعالى -:{ وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا
فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره، وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم
الظالمين} ([273])، وقوله – تعالى: { وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله
يكفر بها ويستهزأ بهـا فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم}([274]).
فهذا يراد به أنه لا يشهد المنكرات لغير حاجة، مثل قوم يشربون الخمر، يجلس
عندهم.وقوم دعوا إلى وليمة فيها خمر وزمر لا يجيب دعوتهم،وأمثال ذلك. بخلاف من حضر
عندهم للإنكار عليهم، أو حضر بغير اختياره.ولهذا يقال: حاضر المنكر كفاعله، وفي الحديث:
" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يشرب عليها الخمر
"([275]). وهـذا الهجر من جنس هجر الإنسان نفسه عن فعل المنكرات، كما قـال صلى
الله عليه وسلم: " المهاجر من هجر ما نهى الله عنه "([276]).
ومن هذا الباب الهجرة من دار الكفر والفسوق إلى دار الإسلام والإيمان. فإنه
هجر للمقام بين الكافرين والمنافقين الذين لا يمكنونه من فعل ما أمر الله به، ومن هذا
قوله تعالى:{ والرجز فاهجر }([277]).
النوع الثاني: الهجر على وجه التأديب، وهو هجر من يظهر المنكرات، يهجر حتى
يتوب منها. كما هجر النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون: الثلاثة الذين خلفوا، حتى
أنزل الله توبتهم، حين ظهر منهم ترك الجهاد المتعين عليهم بغير عذر، ولم يهجر من أظهر
الخير، وإن كان منافقاً فهنا الهجر هو بمنزلة التعزير.
والتعزير يكون لمن ظهر منه ترك الواجبات، وفعل المحرمات، كتارك الصلاة والزكاة
والتظاهر بالمظالم والفواحش، والداعي إلى البدع المخالفة للكتاب والسنة وإجماع سلف
الأمة التي ظهر أنها بدع.
وهذا حقيقة قول من قال من السلف والأئمة: إن الدعاة إلى البدع لا تقبل شهادتهم،
ولا يصلى خلفهم، ولا يؤخذ عنهم العلم، ولا يناكحون. فهذه عقوبة لهم حتى ينتهوا؛ ولهذا
يفرقون بين الداعية وغير الداعية؛ لأن الداعيـة أظهر المنكرات، فاستحق العقوبة، بخلاف
الكاتم، فإنه ليس شراً من المنافقين الذين كان النبي - صلى الله عليه و سلم - يقبل
علانيتهم، ويكل سرائرهم إلى الله، مع علمه بحال كثير منهم. ولهذا جاء في الحديث:
" إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه
"([278]).
فالمنكرات الظاهرة يجب إنكارها؛ بخلاف الباطنة؛ لأن عقوبتها على صاحبها
خاصة.
وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم، فإن
المقصود به زجر المهجور وتأديبه ورجوع العامة عن مثل حاله([279])، فإن كانت المصلحة
في ذلك راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته كان مشروعاً. وإن كان لا المهجور
ولا غيره يرتدع بذلك، بل يزيد الشر، والهاجر ضعيف، بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته،
لم يشرع الهجر؛ بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر.
والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف ([280])؛ ولهذا كان النبي - صلى الله
عليه و سلم - يتألف قوماً ويهجر آخرين، كما أن الثلاثة الذين خلفوا كانوا خيراً من
أكثر المؤلفة قلوبهم، ولما كان أولئك كانوا سادة مطاعون([281]) في عشائرهم، فكانت المصلحة
الدينيّة في تأليف قلوبهم ([282])، وهؤلاء كانوا مؤمنين، والمؤمنون سواهم كثير، فكان
في هجرهم عز الدين([283])، وتطهيرهم من ذنوبهم، وهذا كما أن المشروع في العدو القتال
تارة، والمهـادنة تارة، وأخذ الجزية تارة، كل ذلك بحسب الأحـوال والمصالح.
وجواب الأئمة كأحمد وغيره في هذا الباب مبني على هذا الأصل، ولهذا كان يفرق
بين الأماكن([284]) التي كثرت فيها البدع، كما كثر القدر في البصرة، والتنجيم([285])
بخراسان، والتشيع بالكوفة، وبين ما ليس كذلك، ويفرق بين الأئمة المطاعين وغيرهم([286])،
وإذا عرف مقصود الشريعة سلك في حصوله أوصل الطرق إليه([287]).
وإذا عرف هذا: فالهجرة الشرعية هي من الأعمال التي أمر الله بها ورسـوله،
فالطاعة لابد أن تكون خالصة لله، وأن تكون موافقة لأمره، فتكون خالصة لله صواباً، فمن
هجر لهوى نفسـه، أو هجـر هجـراً غـير مـأمور بـه: كان خارجاً عن هذا، وما أكثر ما تفعل
النفوس ما تهواه، ظانة أنها تفعله طاعة لله([288]).
والهجر لأجل حظ الإنسان لا يجوز أكثر من ثلاث، كما جاء في الصحيحين عن النبي
– صلى الله عليه و سلم - أنه قال: " لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث؛ يلتقيان
فيصد هذا ويصد هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام "([289])، فلم يرخص في هذا الهجر
أكثر من ثلاث، كما لم يرخص في إحداد غير الزوجة أكثر من ثلاث، وفي الصحيحين عنه – صلى
الله عليه و سلم- أنّه قال:" تفتح أبواب الجنة كل اثنين وخميس، فيغفر لكل عبد
لا يشرك بالله شيئاً؛ إلا رجـلاً كان بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى
يصطلحا"([290])، فهذا الهجر لحق الإنسان حرام، وإنما رخّص في بعضه، كما رخّص للزوج
أن يهجر امرأته في المضجع إذا نشزت، وكما رخّص في الثلاث.
فينبغـي أن يفـرق بـين الهجـر لـحق الله، وبــين الهجـر لحق نفســه فـ
(الأول ) مأمور به، و ( الثاني ) منهي عنه، لأن المؤمنين إخوة، وقد قال النبي – صلى
الله عليه و سلم - في الحديث الصحيح: " لا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا،
ولا تحاسدوا، وكونوا عبـاد الله إخواناً، المسلم أخو المسلم"([291])، وقال – صلى
الله عليه و سلم - في الحديث الذي في السنن: "ألا أنبئكم بأفضل من درجة الصلاة،
والصيام، والصدقة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قالوا: بلى يا رسول الله !، قال:
إصلاح ذات البين هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين "([292]). وقال
في الحديث الصحيح: " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد
إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر "([293]).
وهذا لأن الهجر من " باب العقوبات الشرعية " فهو من جنس الجهاد
في سبيل الله، وهذا يفعل لأن تكون كلمة الله هي العليا، ويكون الدين كله لله([294])،
والمؤمن عليه أن يعادي في الله، ويوالي في الله، فإن كان هناك مؤمن فعليه أن يواليه
وإن ظلمه؛ فإن الظلم لا يقطع الموالاة الإيمانيّة، قال تعالى:{ وإن طائفتان من المؤمنين
اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى
أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين. إنما المؤمنون
إخوة} ([295])فجعلهم إخوة مع وجود القتال والبغي والأمر بالإصلاح بينهم.
فليتدبر المؤمن الفرق بين هذين النوعين، فما أكثر ما يلتبس أحدهما بالآخر،
وليعلم أن المؤمن تجب موالاته وإن ظلمك واعتدى عليك، والكافر تجب معاداته وإن أعطاك
وأحسن إليك، فإن الله سبحانه بعث الرسل وأنزل الكتب ليكون الدين كله لله، فيكون الحب
لأوليائه والبغض لأعدائه، والإكرام لأوليائه والإهانة لأعدائه، والثواب لأوليائه والعقاب
لأعدائه.
وإذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر، وفجور وطاعة، ومعصيـة وسنة وبدعة:
استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير، واستحق من المعاداة والعقاب بحسب
ما فيه من الشر، فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة، فيجتمع له من هذا
وهذا([296])، كاللص الفقير تقطع يده لسرقته، ويعطى من بيـت المال ما يكفيه لحاجته.
هل يجوز مناظرة أهل البدع ؟ (وأقوال السلف في ذلك).
[c][/c]
مناظرة المبتدعة :
إياك ومناظرة المبتدع، فإن ذلك إعلاء لشأنه، وإظهار لبدعته، وشنار وعار
للمناظر، إذ كيف يكون السيد العزيز مناظرًا للوضيع الذليل؟! فإنك إن ناظرته أقمت له
وزناً، وزاد هو في الدفاع عن الباطل الذي يحمل، أما إذا ترك لا يُكلم، ولا يُجالس،
ولا يُسلم عليه، ولا يُناظر، ولا يُقام له وزن بأي حال، بل يذل إذلالاً فيصبح كالثعلب
في جحره، ومازال العلماء قديمًا وحديثًا يوصون بعدم مناظرتهم، وسماع أباطيلهم وقد سبق
معنا بعض إشارات من ذلك, وإليك بعض ما جاء في ذلك.
عن ابن عباس قال: باب شرك فُتح على أهل الصلاة التكذيب بالقدر، فلا تجادلوهم،
فيجري شركهم على أيديكم!( )
عن سعيد بن أبي مريم: سمعت ليث بن سعد يقول: بلغت الثمانين وما نازعت صاحب
هوى قط.( )
عن أبي ثور قال: سمعت الشافعي يقول: كان مالك إذا جاءه بعض أهل الأهواء
قال:أما أنا فإني على بينة من ديني، وأما أنت فاذهب إلى شاك مثلك فخاصمه.( )
عن الحسن أن رجلا أتاه فقال يا أبا سعيد إني أريد أن أخاصمك فقال الحسن
إليك عني فإني قد عرفت ديني وإنما يخاصمك الشاك في دينه( )
وإذا كان الرجل ذا جدل تكلفنا له في الرد بالعقل والمنطق ولا نقيم للقرءان
والسنة وزنا؟
ــــــــــــــــــــ
:اللالكائي 4/630
: سير أعلام النبلاء 8/144
:سير أعلام النبلاء 8/99 حلية الأولياء 6/324 ،9/112
: اللالكائي1/128
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي مثل هذا يقول شيخ الإسلام ((فيا ليت شعري بأي عقل يوزن الكتاب والسنة؟فرضي
الله عن الإمام مالك بن أنس حيث قال: أو كلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما جاء به
جبريل لجدل هؤلاء؟!( )
أما إن جاء يسأل سؤال متعلمًا لا متعنتًا، ومسترشدًا مستبصرًا، فاجبه بما
تعلم من دين الله، فلأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم. أما أن تذهب
أنت بنفسك وتقل حتى أرده إلي الحق وإلي الصواب فليس لك ذلك.
فأنت بهذا تضر من حيث أردت النفع، وتفسد من حيث أردت الإصلاح،والقلوب ضعيفة،
والشبهة خطافة،فكيف تأمن علي نفسك وقد ضلَّ بسب ذلك الأمن علي أنفسهم أُناس هم أعلم
منك! وأقرب لعهد النبوة! رأوا أصحاب الرسول صلي الله عليه وسلم وتعلموا من هديهم! ولكن
هيهات ما نفعهم! واذكر لك قصة عمران بن حطان في نهاية البحث حتى تعتبر.
وعليك أن تعلم أن ترك مناظرة المبتدعة من عقيدة أهل السنة والجماعة( )
1): ومنه ما في العقيدة السلفيةصـ100 لشيخ الإسلام أبى عثمان إسماعيل بن
عبد الرحمن الصابوني (م سنة 449 هـ)، قال رحمه الله تعالى:
ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا يحبونهم ولا يصحبونهم،
ولا يسمعون كلامهم، ولا يجالسونهم، ولا يجادلونهم في الدين، ولا يناظرونهم، ويرون صون
آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرت بالأذان وقرت في القلوب، ضرت وجرت إليها من الوساوس
والخطرات الفاسدة ما جرت وفيه أنزل الله عز وجل قوله:{ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ
يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ
وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ
الظَّالِمِينَ }( ) أ هـ.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
:تقريب التدمرية صــ27
: أما من يدعون أنهم من أهل السنة والجماعة ويظهرون علي الفضائيات يناظرون
اليهود والنصارى والعلمانيون وغيرهم وفي نهاية المناظرة يتصافحون فأني لهم أن يكونوا
من أهل السنة والجماعة ولله الأمر من قبل ومن بعد
: نقلا عن حلية طالب العلم صـ31 و هجر المبتدع صـ17
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2): وقال موفق الدين بن قدامة المقدسي ـ رحمه الله تعالي ـ في متن لمعة
الاعتقادصـ111
ومن السنة:هجران أهل البدع، و مباينتهم، وترك الجدال والخصومات في الدين،
وترك النظر في كتب المبتدعة، والإصغاء إلي كلامهم ، وكل محدثة في الدين بدعة.
3): وقال الآجري ـ رحمه الله ـ:
من أرد الله عز وجل به خيراً لزم سنن رسول الله صلي الله عليه وسلم وما
كان عليه الصحابة رضي الله عنهم ،ومن تبعهم بإحسان من أئمة المسلمين ـ رحمة الله عليهم
ـ في كل عصر وتعلم العلم لنفسه ،لينتفي عنه الجهل ،وكان مراده أن يتعلمه لله عز وجل
،ولم يكن مراده أن يتعلمه للمراء والجدال والخصومات ولا لدنيا . ومن كان هذا مراده
سلم إن شاء الله تعالي من الأهواء والبدع والضلالة , واتبع ما كان عليه من تقدم من
أئمة المسلمين الذين لا يستوحش من ذكرهم وسأل الله تعالي أن يوفقه لذلك
فإن قال قائل ،وإن كان رجل قد علمه الله عز وجل علماً ,فجاءه رجل يسأله
عن مسألة في الدين ، وينازعه ويخاصمه , تري له أن يناظره حتى تثبت عليه الحجة ,ويرد
قوله ؟
قيل له هذا الذي نهينا عنه , وهو الذي حذرناه من تقدم من أئمة المسلمين
فإن قال قائل فماذا نصنع ؟
قيل له إن كان الذي يسألك مسألته مسألة مسترشد إلي طريق الحق لا مناظرة،
فأرشده بأرشد ما يكون من البيان بالعلم من الكتاب والسنة , وقول الصحابة ، وقول أئمة
المسلمين . وإن كان يريد مناظرتك ومجادلتك فهذا الذي كره لك العلماء ، فلا تناظره ،احذره
علي دينك ، كما قال من تقدم من أئمة المسلمين إن كنت لهم متبعاً !
فإن قال: ندعهم يتكلمون بالباطل ونسكت عنهم ؟
قيل له سكوتك عنهم وهجرتك لما تكلموا به أشد عليهم من مناظرتك له، كذا قال
من تقدم من السلف الصالح من علماء المسلمين .( )انتهي
نتائج مناظرة المبتدعة:
قال اللالكائي ـرحمه الله ـ :
فما جنى على المسلمين جناية أعظم من مناظرة المبتدعة، ولم يكن لهم قهر ولا
ذل أعظم مما تركهم السلف على تلك الجملة يموتون من الغيظ كمدا ودردا، ولا يجدون إلى
إظهار بدعتهم سبيلا، حتى جاء المغرورون ففتحوا لهم إليها طريقا، وصاروا لهم إلى هلاك
الإسلام دليلا، حتى الغرماء بينهم المشاجرة وظهرت دعوتهم بالمناظرة! وطرقت أسماع من
لم يكن عرفها من الخاصة والعامة، حتى تقابلت الشبه في الحجج! وبلغوا من التدقيق في
اللجج فصاروا أقرانا، وأخدانا، وعلى المداهنة خلانا وإخوانا، بعد أن كانوا في الله
أعداء وأضدادا، وفي الهجرة في الله أعوانا يكفرونهم في وجوههم عيانا ويلعنونهم جهارا،
وشتان ما بين المنـزلتين وهيهات ما بين المقامين.( )
ــــــــــــــــــــــــــــ
:اللالكائي 1/19
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذكر الذهبي في السير:
قال عبد الله بن الوليد: سمعت أبا محمد بن أبي زيد يسأل ابن سعدي لما جاء
من الشرق: أحضرت مجالس الكلام؟ قال: مرتين، ولم اعد، فأول مجلس جمعوا الفرق من السنة
والمبتدعة، واليهود والنصارى، والمجوس والدهرية، ولكل فرقة رئيس يتكلم وينصر مذهبه،
فإذا جاء الرئيس قام الكل له، فيقول واحد تناظروا ولا يحتج أحد بكتابه! ولا بنبيه!
فإنا لا نصدق بذلك !ولا نقر به ! بل هاتوا العقل والقياس ! فلما سمعت هذا لم اعد. ثم
قيل لي ها هنا مجلس آخر للكلام، فذهبت فوجدتهم على مثل سيرة أصحابهم سواء. فجعل ابن
أبي زيد يتعجب وقال: ذهبت العلماء وذهبت حرمة الدين!ـ قلت ـ الذهبي ـ فنحمد الله على
العافية( )
فليتق الله هؤلاء الذين يدعون هذا الاسم {أهل السنة والجماعة} ويأتون علي
الفضائيات يناظرون اليهود والنصارى، والمبتدعة، أليس لهم في قول هذا الإمام عبرة؟و
ليتذكروا قوله ذهبت العلماء, وذهبت حرمة الدين؟
سؤال :
ماذا يفعل من اضطر للمناظرة تحت قهر سلطان أو إكراه ؟
الجواب :من اضطر للمناظرة له أن يناظر بشروط:
1ـ أن يكون من أهل العلم واسع المعرفة مستحضر لما يعلم من الأدلة
2ـ أن يكون علي معرفة بشبه المناظر وعنده من العلم ما يدحضها
3__ أن لا يخرج عن القرآن والسنة إلي غيرهما إلا في حال الاضطرار
وأن يجعل العقل تابعا للنقل وليس العكس
4ـ أن لا يدخل في جدل عقيم ولكن يجادل فإن رأي صدوعاً للحق فليكمل، وإلا
فليسكت ولا يضر بالإسلام وأهله.
5ـ أن يعلم أن هذا لا يجوز له إلا في حال الاضطرار
ــــــــــــــــــــ
10: سير أعلام النبلاء 16 /252
: ولذلك أنكر السلف على مقاتل قوله في رده على جهم بأدلة العقل وبالغوا
في الطعن عليه. ومنهم من استحل قتله، منهم مكي بن إبراهيم شيخ البخاري وغيره .... وإن
كان بعض من كان قريباً من زمن الإمام أحمد فيهم من فعل شيئاً من ذلك اتباعاً لطريقة
مقاتل فلا يقتدى به في ذلك إنما الإقتداء بأئمة الإسلام كابن المبارك. ومالك. والثوري
والأوزاعي. والشافعي. وأحمد. واسحق. وأبي عبيد. ونحوهم.
راجع فضل علم السلف علي الخلف لابن رجب الحنبلي
ــــــــــــ
قال مؤمل بن إسماعيل: مات عبد العزيز بن أبي رواد، فجيء بجنازته، فوضعت
عند باب الصفا، وجاء سفيان الثوري، فقال الناس: جاء سفيان! جاء سفيان! فجاء حتى خرق
الصفوف،وجاوز الجنازة ولم يصل عليها، لأنه كان يرى الإرجاء. فقيل لسفيان، فقال: والله
إني لأرى الصلاة على من هو دونه عندي، ولكن أردت أن أُري الناس أنه مات على بدعة..(
سير أعلام النبلاء 7/186 وحلية الأولياء 7/29 والعقيلي في الضعفاء 3/6 وتلبيس إبليس
صـ19)
لما مات بشر بن غياث المريسي لم يشهد جنازته من أهل العلم والسنة أحد إلا
عبيد الشونيزي، فلما رجع من جنازة المريسي، أقبل عليه أهل السنة والجماعة قالوا
"يا عدو الله" تنتحل السنة والجماعة وتشهد جنازة المريسي؟ قال: أنظروني حتى
أخبركم ما شهدت جنازة رجوت فيها من الأجر ما رجوت في شهود جنازته! لما وضع في موضع
الجنائز قمت في الصف فقلت اللهم إن عبدك هذا كان لا يؤمن برؤيتك في الآخرة اللهم فاحجبه
عن النظر إلى وجهك يوم ينظر إليك المؤمنون،
اللهم إن عبدك هذا كان لا يؤمن بعذاب القبر اللهم فعذبه اليوم في قبره عذابا
لم تعذبه أحد من العالمين، اللهم إن عبدك هذا كان ينكر الميزان، اللهم فخفف ميزانه
يوم القيامة، اللهم إن عبدك هذا كان ينكر الشفاعة اللهم فلا تشفع فيه أحد من خلقك يوم
القيامة، قال: فسكتوا عنه وضحكوا.( تاريخ بغداد 7/66)
الشاهد من هذه القصة إنكار أهل السنة علي عبيد الشونيزي صلاته علي المريسي،
لأنه كان مبتدع اشتغل بعلم الكلام وجدد القول بخلق القرءان،وكان مرجئا وإليه تنسب الطائفة
المريسية من المرجئة
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"من قال سبحان
الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر" {متفق عليه}
في قوله تعالى
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي
وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً
ولذلك فإن مناظرتهم محظورة لأن بمناظرتهم إعلاء لشأن بدعتهم و حتى
من يضطر لمناظرتهم يجب أن يكون عالماً متمكناً من علمه هدفه
دعوتهم إلى الدين الحق ونبذ بدعتهم
فتوى لاحد علمائنا الافاضل
السؤال
ورد كثير من الآثار عن سلفنا الصالح في عدم مناظرة المبتدعة بإطلاق، فهل
نفهم هذه الإطلاقات في صور معينة، اوالمطلوب هو حصر هذه الإطلاقات وتنزيلها على صورها
المعينة المخصوصة؟
المجيب الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإٌسلامية
التاريخ 19/06/1426هـ
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى
آله وأصحابه وأتباعه، أما بعد:
فقد وردت آثار كثيرة عن السلف الصالح في النهي عن مجالسة أهل البدع والكلام
معهم ومناظرتهم- كما ذكر السائل- وهذه الآثار عامة لئلا تنتشر البدع والشبه فيحصل الانحراف
والزيغ والضلال عن الحق.
أما الرسل والدعاة والأئمة وأهل العلم والبصيرة، فإنهم يناظرون الكفار وأهل
البدع لإلزامهم بالحق وإقامة الحجة عليهم، كما أخبر الله –تعالى- عن الرسل أنهم ناظروا
أقوامهم وجادلوهم وأقاموا عليهم الحجة. فأخبرنا عن نوح -عليه الصلاة والسلام- أنه قال
لقومه: "قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم
ما أنزل الله بها من سلطان" [الأعراف: 71]. وقال تعالى عن قوم نوح أنهم قالوا
له: "قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا" [هود: 32]، وكما أخبر الله
عن إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- ومحاجة قومه لـه، فقال: "وحاجه قومه قال أتحاجوني
في الله وقد هدان" [الأنعام: 8].
وقد ناظر الإمام أحمد –رحمه الله- الجهمية، وكشف شبههم، وردَّ عليهم في
كتابه المشهور "الرد على الزنادقة والجهمية"، كما ناظر عثمان بن سعيد الدارمي
–رحمه الله- بشرًا المريسي، وردَّ عليه في كتابه المشهور، "رد عثمان بن سعيد الدارمي
على بشر المريسي" وكتابه الآخر "الرد على الجهمية"، ومن ذلك المناظرة
المشهورة لعبد العزيز الكناني في كتابه الجيد "الرد على بشر المريسي" والأمثلة
كثيرة.
فإذا كان المناظر من أهل العلم والبصيرة، وعنده قدرة على استحضار الأدلة؛
بأن يكون حاضر البديهة، وعنده قدرة على كشف الشبهة التي يوردها المبتدع، ويستطيع الرد
عليها، ويغلب على الظن رجوع المبتدع عن بدعته، ولا يتضرر أحد من الحاضرين بهذه الشبهة،
كما يحصل في المناظرات التي تجري في القنوات الفضائية التي يسمعها ويراها كل أحد -فتجب
الحيطة والحذر، والتأمل في العاقبة والنتيجة لهذه المناظرة والموازنة بين المصالح والمفاسد،
ويقدم درء المفاسد على جلب المصالح، ولا يقدر على ذلك إلا أهل العقول والنظر والبصيرة،
والله الموفق والمستعان وعليه التكلان، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه
بإحسان.
عن ابن عباس –رضي الله عنه- قال: ((ما في الأرض قوم أبغض إلي من أن يجيئوني
فيخاصموني من القدرية في القدر، وما ذاك إلا أنهم لا يعلمون قدر الله وأن الله عز وجل
لا يسأل عما يفعل وهم يسألون)) [رواه الآجري في الشريعة ص:213].
وعن ابن عون –رحمه الله- قال: ((لم يكن قوم أبغض إلى محمد –يعني ابن سيرين-
من قوم أحدثوا في هذا القدر ما أحدثوا)). [رواه الآجري في الشريعة ص:219]. قال شعبة
–رحمه الله-: “كان سفيان الثوري يبغض أهل الأهواء وينهى عن مجالستهم أشد النهي” [أخرجه
نصر بن إبراهيم المقدسي في مختصر الحجة على تارك المحجة ص:460].
وقال القرطبي –رحمه الله-: ((استدل مالك –رحمه الله- من هذه الآية على معاداة
القدرية وترك مجالستهم، قال أشهب عن مالك: لا تجالس القدرية وعادهم في الله لقوله تعالى:
(لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله))) [التفسير
17/308].
وقال البيهقي وهو يتحدث عن الشافعي: ” وكان الشافعي – رضي الله عنه – شديداً
على أهل الإلحاد وأهل البدع مجاهراً ببغضهم وهجرهم ” مناقب الشافعي ( 1/469 ) .
وقال الإمام أحمد – رحمه الله -:” إذا سلّم الرجل على المبتدع فهو يحبه
“، (طبقات الحنابلة ( 1/196 )) فيدل أنه لا يجوز محبة أهل البدع.
وقال ابن المبارك –رحمه الله-: ((اللهم لا تجعل لصاحب بدعة عندي يداً فيحبه
قلبي)) [رواه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1/140].
وقال الفضيل بن عياض : وقال: ” من أحب صاحب بدعة أحبط الله عمله وأخرج نور
الإسلام من قلبه ” (انظر شرح السنة للبربهاري ( ص : 138-139 ) ، والإبانة لابن بطة
(2/460 ).)
وقال عبد الله بن داود سنديلة: من علامات الحق البغض لمن يدين بالهوى، ومن
أحب الحق فقد وجب عليه البغض لأصحاب الهوى، يعني: أهل البدعة.(انظر سير السلف الصالحين
للتيمي (3/1154)، والحلية لأبي نعيم ( 10/392 )
و قال الإمام أبو عبد الله عبيد الله بن بطة العكبري – رحمه الله -: ” ونحن
الآن ذاكرون شرح السنة، ووصفها، وما هي في نفسها، وما الذي إذا تمسك به العبد ودان
الله به سُمِّيَ بها، واستحق الدخول في جملة أهلها، وما إن خالفه أو شيئاً منه دخل
في جملة من عبناه وذكرناه وحُذّر منه، من أهل البدع والزيـغ، مما أجمع على شرحنا له
أهل الإسلام وسائر الأمة مذ بعث الله نبيه -صلى الله عليه وسلم – إلى وقتنا هذا …
” ومما ذكره في هذا الشرح: ” ولا تشاور أحداً من أهل البدع في دينك، ولا ترافقه في
سفرك، وإن أمكنك أن لا تقربه في جوارك. ومن السنة مجانبة كل من اعتقد شيئاً مما ذكرناه
( أي: من البدع)، وهجرانه، والمقت له، وهجران من والاه، ونصره، وذب عنه، وصاحبه، وإن
كان الفاعل لذلك يظهر السنّة ” [الشرح والإبانة ( ص 282 )]
و قال الإمام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمـن الصابوني – رحمه الله –
حاكياً مذهب السلف أهل الحديث: ” واتفقـوا مع ذلك على القول بقهر أهل البدع، وإذلالهم،
وإخزائهم، وإبعادهم، وإقصائهم، والتباعد منهم، ومن مصاحبتهم، ومعاشرتهم، والتقرب إلى
الله عز وجل بمجانبتهم ومهاجرتهم.” عقيدة السلف وأصحاب الحديث ( ص : 123 )
وقال أيضاً: ” ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا
يحبونهم، ولا يصحبونهم، ولا يسمعون كلامهم، ولا يجالسونهم، ولا يجادلونهم في الدين،
ولا يناظرونهم، ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرت بالآذان وقرت في القلوب
ضرّت وجـرّت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما جرّت، وفيه أنزل الله عز وجل قوله:
{وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره} “(عقيدة السلف
وأصحاب الحديث ( ص : 114-115 )
وقال الإمام البغوي رحمه الله : ((وفيه دليل ( أي حديث كعب بن مالك ) على
أن هجران أهل البدع على التأبيد، وكان رسول صلى الله عليه وسلم خاف على كعب وأصحابه
النفاق حين تخلفوا عن الخروج معه فأمر بهجرانهم إلى أن أنزل الله توبتهم، وعرف رسول
الله صلى الله عليه وسلم براءتهم، وقد مضت الصحابة والتّابعون وأتباعهم وعلماء السنة
على هذا مجمعين متفقين على معاداة أهل البدعة ومهاجرتهم.)) شرح السنة (1/226-227).
وقال القرطبي –رحمه الله- نقلاً عن ابن خويز منداد: ((من خاض في آيات الله
تركت مجالسته وهجر، مؤمناً كان أو كافراً، قال: وكذلك منع أصحابنا الدخول إلى أرض العدو
ودخول كنائسهم والبيع ، ومجالسة الكفار وأهل البدع، وألا تُعتقد مودتهم، ولا يسمع كلامهم
ولا مناظرتهم)). [التفسير 7/13].
وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ ضمن تحذيره من بعض الضالين
من أهل البـدع مـن جهـة عمان،كانوا قد كتبوا أوراقاً للتلبيس على عوام المسلمين :
(( ومن السنن المأثورة عن سلف الأمة وأئمتها وعن إمام السنة أبي عبد الله أحمد بن محمد
بن حنبل – قدس الله روحه – التشديد في هجرهم وإهمالهم، وترك جدالهم واطّراح كلامهم،
والتباعد عنهم حسب الإمكان، والتقرب إلى الله بمقتهم وذمهم وعيبهم )) مجموعة الرسائل
والمسائل النجدية ( 3 / 111 ).
وقال الشيخ سليمان بن سحمان – رحمه الله تعالى – في كتابه ((كشف الشبهتين
)) ( ص : 37-48 ): ((واعلم رحمك الله أن كلامه وما يأتي من أمثاله من السلف في معاداة
أهل البدع والضلالة ضلالة لا تخرج من الملّة، لكنهم شددوا في ذلك وحذّروا منه لأمرين:
الأول: غلظ البدعة في الدين في نفسها، فهي عندهم أجلّ من الكبائر ويعاملون أهلها بأغلظ
مما يعاملون أهل الكبائر كما تجد في قلوب النّاس اليوم أن الرافضي عندهم ولو كان عالماً
عابداً أبغض وأشدّ ذنباً من السنيّ المجاهر بالكبائر. والأمر الثاني: أنّ البدعة تجر
إلى الردّة الصريحة كما وجد في كثير من أهل البدع .)) ثمّ ذكر عدداً من أقوال أهل العلم
ومواقفهم في معاملة أهل البدع من الهجر والتحذير والمباينة. ثمّ قال: ((ولو ذهبنا نذكر
أقوال العلماء لطال الكلام والمقصود التنبيه على أنّ هذا هدي رسول الله – صلى الله
عليه وسلم-، وهدي أصحابه والتابعين لهم بإحسان هجر أهل المعاصي والبدع، ودرج على ذلك
أفاضل العلماء من الأئمة الأعلام فمن أخذ بهديهم وسار بسيرهم، فقد سار على الصراط المستقيم)).
وقال الشيخ حمود التويجري – رحمه الله تعالى – في كتابه (( القول البليغ
في التحذير من جماعة التبليغ )) ( ص : 31 -33 ): ((وقد كان السلف الصالح يحذرون من
أهل البـدع، ويبالغون في التحذير منهم، وينهون عن مجالستهم ومصاحبتهم وسماع كلامهم،
ويأمرون بمجانبتهم ومعاداتهم وبغضهم وهجرهم)).
وقال الشيخ حمود التويجري معلقا على ما قاله أبو داود السجستاني – رحمه
الله -: ” قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: أرى رجلاً من أهـل البيت مع رجل من أهل
البدع، أترك كلامه؟ قال: لا، أو تُعْلِمه أن الذي رأيته معه صاحب بدعة، فإن ترك كلامه
وإلا فألحقه به، قال ابن مسعود: المرء بخدنه” طبقات الحنابلة ( 1/160 ) ، ومناقب أحمد
لابن الجوزي ( ص : 250 ). وقال الشيخ حمود التويجري: ” وهذه الرواية عن الإمام أحمد
ينبغي تطبيقها على الذين يمدحون التبليغيين ويجادلون عنهم بالباطل، فمن كان منهم عالماً
بأن التبليغيين من أهل البدع والضلالات والجهالات، وهو مع هذا يمدحهم ويجادل عنهم؛
فإنّه يلحق بهم، ويعامل بما يعاملون به، من البغض والهجر والتجنُّب، ومن كان جاهلاً
بهم، فإنه ينبغي إعلامه بأنهم من أهل البدع والضلالات والجهالات، فإن لم يترك مدحهم
والمجادلة عنهم بعد العلم بهم، فإنه يُلحق بهم ويُعامل بما يُعاملون به.” القول البليغ
( ص : 230-231 )
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين –رحمه الله-: “والمراد بهجران أهل البدع
الابتعاد عنهم وترك محبتهم، وموالاتهم والسلام عليهم وزيارتهم وعيادتهم ونحو ذلك، وهجران
أهل البدع واجب لقوله تعالى: (لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد
الله ورسوله) ولأن النبي –صلى الله عليه وسلم- هجر كعب بن مالك وصاحبيه حين تخلفوا
عن غزوة تبوك)). [شرح لمعة الاعتقاد ص:110].
من أقوال أهل السنة والجماعة في التحذير من البدع وشدة إنكارهم على المبتدعة
..
• قال عبد الله ابن مسعود: “اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم”.
• قال عبد الله ابن عباس: ” البدعة أحب إلى إبليس من المعصية”.
• بلغ عبد الله بن عمر أن معبد الجهني قد ابتدع بدعة القدر فكان يقول:”انه
لا قدر وان الأمر أنف”! فقال ابن عمر: “أخبرهم أني برئ منهم وأنهم براء مني، والذي
يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه ما قبل منه حتى يؤمن بالقدر”.
• قال الإمام مالك: “من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا
قد خان الرسالة لان الله تعالى يقول: { أكملت لكم دينكم} فما لم يكن يومئذ دين فلا
يكون اليوم دين”.
• قال أبو حنيفة : ” عليك بالأثر، وطريقة السلف، وإياك وكل محدثة فإنها
بدعة”.
• قال الإمام الشافعي: حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال، ويطاف
بهم في القبائل ، ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام .
• جاء عن أيوب السختياني انه قال: قال لي سعيد بن جبير: رأيتك مع طلق (وكان
مبتدعاً)، قلت: بلى، فما باله؟ قال: لا تجالسه فإنه مرجئ.
.. أحب إلي من أغزو عدتهم من الأتراك”.r• قال الحميدي (شيخ البخاري):
والله! لأن أغزو هؤلاء الذين يردون حديث رسول الله
• كان طاووس بن كيسان يحذر من معبد الجهني – القدري – باسمه ويقول: “احذروا
معبد الجهني فانه قدري”.
• قال شيخ الإسلام ابن تيميه: “فإن بيان حال أهل البدع والتحذير منهم واجب
باتفاق المسلمين فقد قيل للإمام أحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي (التطوع) ويعتكف أحب
إليك أو يتكلم في أهل البدع قال: “إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه وإذا تكلم في
أهل البدع فإنما هو للمسلمين، هذا أفضل ..!
• قال بعضهم لأحمد بن حنبل انه يثقل علي أن أقول فلان كذا وكذا، فقال رحمه
الله:”إذا سكتّ أنت وسكتّ أنا؛ فمتى يعرّف الجاهل الصحيح من السقيم”؟
• وكان إذا ذكر عنده الكرابيسي يقول: لايغرنك تنكيس رأسه، ذلك يقول كذا
وكذا.. لا تكلمه ولا تكلم من يكلمه..هتكه الله.. الخبيث!
• وكان شيخ الاسلام ابن تيميه يقول: ” الرادّ على أهل البدع مجاهد”.
• وقال يحيى بن يحيى: “الذب عن السنة أفضل من الجهاد”.
• قال الإمام أبو إسماعيل الصابوني، وهو يصف أهل السنة والجماعة: “ويبغضون
أهل البدع؛ الذين أحدثوا في الدين ما ليس فيه، ولا يحبونهم ولا يصحبونهم، ولا يسمعون
كلامهم، ولا يجالسونهم ولا يجادلونهم في الدين ولا يناظرونهم ……واتفقوا على القول بقهر
أهل البدع وإذلالهم وإخزائهم وإبعادهم وإقصائهم والتباعد منهم ومن مصاحبتهم والتقرب
إلى الله بمجانبتهم ومهاجرتهم”.
• وقال شيخ الإسلام ابن تيميه عن الشيعة الروافض: “ولهذا كان الرفض أعظم
أبواب النفاق والزندقة … وانضمت إلى الرافضة الإسماعيلية والنصيرية (العلوية) وأنواعهم
من القرامطة والباطنية والدرزية وأمثالهم من طوائف الزندقة والنفاق.
• وقال عنهم أيضا: “الروافض هم أكذب طوائف أهل الأهواء(البدع) وأعظمهم شركا،
فلا يوجد في أهل الأهواء أكذب منهم، ولا أبعد عن التوحيد منهم.
• قال الإمام الآجري: “…. وبعد هذا نُأمرُ بحفظ السنن عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين لهم بإحسان، وقول أئمة المسلمين؛ مثل مالك بن أنس
والأوزاعي وسفيان الثوري وعبد الله بن المبارك والشافعي وأحمد بن حنبل، ومن كان على
طريقة هؤلاء العلماء، ونبذ من سواهم، ولا نناظر ولا نجادل ولا نخاصم، وإذا لقي صاحب
بدعة في طريق أخذ غيره، وإن حضر مجلسا هو فيه قام عنه”.
• قال الفضيل بن عياض: ” من أتاه رجل فشاوره فدلّه على مبتدع فقد غشّ الإسلام”
.
• وقال أيضا: “لا يمكن لصاحب سنّة أن يمالئ صاحب بدعة إلا من النفاق”.
• وقال: “من تبسّم في وجه مبتدع فقد استخفّ بالإسلام..!”.
• وقال إبراهيم بن مسرة: ” من وقّر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام..!”
• قال ابن عون: “من يجالس أهل البدع أشد علينا من أهل البدع”.
• ولما قدم سفيان الثوري البصرة، سأل عن الربيع بن صبيح، قال: أي شئ مذهبه
؟ قالوا: ما مذهبه إلا السنة، قال: ما بطانته؟ قالوا: أهل القدر، قال: هو قدري .
• قال الإمام البغوي: “وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن افتراق الأمة
وظهور الأهواء والبدع فيهم، وحكم بالنجاة لمن اتبع سنته وسنة أصحابه رضي الله عنهم،
فعلى المرء المسلم إذا رأى رجلا يتعاطى شيئا من الأهواء والبدع معتقدا، أو يتهاون بشيء
من السنة أن يهجره، ويتبرأ منه، ويتركه حيا وميتا، فلا يسلم عليه إذا لقيه، ولا يجيبه
إذا ابتدأ حتى يترك بدعته ويرجع إلى الحق
• قال الإمام الشاطبي: “وأيضا فإن فرقة النجاة وهم أهل السنة مأمورون بعداوة
أهل البدع والتشريد بهم والتنكيل بمن انحاش إليهم بالقتل فما دونه وقد حذر العلماء
من مصاحبتهم ومجالستهم”.
• قال الإمام الذهبي: ” أكثر السلف على هذا التحذير”.
• قال الإمام ابن بطة العكبري الخليلي عن أهل البدع: “هم أشد فتنة من الدجال،
وكلامهم ألصق من الجرب، وأحرق للقلوب من اللهب، فلا تجالسوهم”.
الفاسق أهون أمرا من المبتدع
قال الفضيل بن عياض: “من جلس مع صاحب بدعة فاحذره، ومن جلس مع صاحب بدعة
لم يعط الحكمة، وأحب أن يكون بيني وبين صاحب بدعة حصن من حديد، آكل عند اليهودي والنصراني
أحب إلي من أن آكل عند صاحب بدعة..!”.
• قال شيخ الإسلام ابن تيميه: “فساق أهل السنة خير من عبّاد أهل البدع”.
• وقال أيضا: “فساد أهل البدع أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب،
فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها إلا تبعًا، وأما أولئك فهم يفسدون
القلوب ابتداء”.
• وقال في موضع آخر: ” وهذه حقيقة قول السلف والأئمة أن الدعاة إلى البدع
لا تقبل شهادتهم، ولا يصلى خلفهم، ولا يؤخذ عنهم العلم ولا يناكحون؛ فهذه عقوبة لهم
حتى ينتهوا”.
• قال الحسن البصري: ” أترغبون عن ذكر الفاجر، اذكروه بما فيه كي يحذره
الناس”.
• وقال أيضا: “ثلاثة ليس لهم حرمة في الغيبة أحدهم صاحب بدعة الغالي ببدعته”.
• قال الإمام ابن الجوزاء: ” لأن يجاورني قردة وخنازير أحب إلي من أن يجاورني
أصحاب الأهواء”.
• وقال يونس بن عبيد: ” لأن يصاحب ابني شاطراً(قاطع طريق) أحب إلي من أن
يصاحب مبتدعاً”.
• وقيل له ذات مرة : كيف أصبحت ؟ قال رحمه الله: أصبحت بشرٍ! .. وقعت عيني
على مبتدع..!!”.
• وقيل له أيضاً: إن ابنك الصغير يلعب بالطيور! قال: لعل ذلك يشغله عن مصاحبة
مبتدع..!!.
• تلخيص كتاب منهج
السلف فى الرد على اهل البدع
الشيخ سيد فاروق الإنشاصي
أزال المؤلف هذا التعليق.
ردحذف